على مدى العامين الماضيين، نفّذت إسرائيل حملةً منهجية لتصفية أو شلّ قادة أعتى خصومها: حركة حماس، وحزب الله، وإيران. ومع ذلك، لم تتمكّن بعد من تحييد قائدٍ واحدٍ بقي صامداً في وجهها، إذ جعلت مقاومته المستمرة منه –في نظر أنصاره– آخر زعيمٍ مقاتلٍ ما زال يخوض المعركة في الشرق الأوسط.
إنّ (عبد الملك الحوثي)، قصير القامة وهادئ الصوت، نجا من هجماتٍ متواصلة شنّتها عليه إسرائيل والولايات المتحدة وقوى إقليمية أخرى، بفضل اختبائه في الكهوف وابتعاده الكامل عن الظهور العلني، مستنداً في الوقت ذاته إلى دعم إيران للحفاظ على سلطة حركته المتمردة في اليمن.
وخلال أكثر من عقدٍ من قيادته قوات الحوثيين، ظلّ يعتمد إستراتيجيةَ المواجهة مع خصومٍ أقوى منه عبر هجماتٍ صاروخيةٍ جريئة، مقامراً بأنّ هؤلاء لديهم ما يخسرونه أكثر مما لديه هو. ويقول مسؤولون إسرائيليون إنهم يعتقدون أنّ الحوثي يعتزم الاستمرار في هذا النهج، ولا سيما بعد أن أسهمت حرب غزة في رفع مكانته في العالم العربي، حيث يُنظر إليه على نطاقٍ واسع بوصفه آخر وأبرز مدافعٍ صادقٍ عن القضية الفلسطينية.
وفي الوقت الذي كانت فيه إسرائيل والدول العربية تعلن تأييدها، في أواخر سبتمبر/أيلول، لخطة الرئيس (دونالد ترامب) لإنهاء حرب غزة، كان الحوثيون يستهدفون سفينةً ترفع العلم الهولندي بصاروخٍ مجنّح، ما أدّى إلى تعرّضها لخطر الغرق. وقد مثّل ذلك امتداداً لحملةٍ استمرت لعامين عطّلت أحد أهم الممرات البحرية الدولية، واستدرجت الولايات المتحدة إلى معارك بحرية محتدمة.
وقد أعلن عبد الملك الحوثي أنه سيحترم أي هدنةٍ تبرمها حركة حماس، حليفته الفلسطينية، لكن بغضّ النظر عن النتائج، يُتوقّع أن يواصل الحوثيون حربهم الدينية ضد إسرائيل والولايات المتحدة على المدى البعيد.
أما شعار الجماعة الذي يُردّد في تجمعاتها، فهو:
«الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام».
ويُعدّ البحر الأحمر ممراً حيوياً يمرّ عبره نحو 12% من حجم التجارة العالمية.
وفي اجتماعاتٍ مغلقة خلال الأشهر الأخيرة، حاول مسؤولون من مصر وقطر والمملكة العربية السعودية مراراً إقناع قادة الحوثيين بوقف هجماتهم ضد إسرائيل والسفن في البحر الأحمر، والعودة إلى لعب دورٍ محدودٍ نسبياً في صراعات المنطقة، لكن الجماعة رفضت تلك الدعوات في كل مرة، وفقاً لمصادر مطّلعة على تلك اللقاءات.
وقالت (أبريل لونغلي آلي)، وهي دبلوماسيةٌ سابقة في الأمم المتحدة سبق أن تواصلت مع قيادات الحوثيين:
«إنهم يؤمنون بصدقٍ بأنّ جهادهم يهدف إلى إزالة إسرائيل من تلك الأرض، وسيواصلون المضي في هذا الطريق».
وقد منحت الأضواء الدولية عبد الملك الحوثي ثقةً أكبر بالنفس، إذ أصبح —من خلال خُطبه الأسبوعية التي يُلقيها عبر الفيديو من مكانٍ غير معلن— يُقدّم نفسه على أنه أبرز زعيمٍ عربيٍ وإسلاميٍ يدافع عن الفلسطينيين.
وقال الحوثي في إحدى خطاباته في شهر مارس/آذار:
«إذا ظلّ العالم الإسلامي صامتاً بينما يُواجه الفلسطينيون الإبادة، فإنّ ذلك لن يؤدي إلا إلى تشجيع أمريكا وإسرائيل على ارتكاب مزيدٍ من الفظائع».
وفي استطلاعٍ جديدٍ نُشر الأسبوع الماضي عن المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، أظهرت النتائج أنّ دعم الفلسطينيين للحوثيين يفوق بكثير دعمهم لأي ميليشياتٍ أو حكوماتٍ إقليميةٍ أخرى. كما انتشرت صور عبد الملك الحوثي على الملصقات في إسطنبول وتونس وطهران منذ اندلاع الحرب، فيما شهدت العواصم الغربية تظاهراتٍ شبابيةً ضد الحرب على غزة تردّد شعاراتٍ مؤيدةً للحوثيين.
ووفقاً لتقارير الأمم المتحدة، فقد ارتفعت معدلات التجنيد في صفوف الجماعة بشكلٍ حادّ خلال السنوات الأخيرة، ليُقدَّر عدد مقاتليها بنحو 350 ألفاً بحلول أواخر عام 2024، مقارنةً بـ30 ألفاً فقط في عام 2015.
أما داخل اليمن –ذلك البلد الفقير الذي يبلغ عدد سكانه نحو 40 مليون نسمة– فيحكم عبد الملك الحوثي من خلال مزيجٍ من التأثير الديني الصارم والقمع السياسي ضد من لا يلتزمون بعقيدته المتشددة.
ورغم أنّ الحوثيين يسيطرون على نحو ثلث أراضي اليمن فقط، فإنّ تلك المناطق تشمل موانئ وشركاتٍ حكوميةً وأصولاً اقتصاديةً رئيسية تدرّ على الجماعة ما يُقدّر بملياري دولارٍ سنوياً، بحسب باحثين يتابعون نشاطها.
ويمتلك الحوثيون ترسانةً ضخمة يُعتقد أنّ إيران تزوّدهم بجزءٍ كبيرٍ منها، وتشمل الطائرات المُسيّرة، والصواريخ المجنّحة، والألغام البحرية، والزوارق السريعة.
وبالنسبة لأتباعه المخلصين، يُنظر إلى عبد الملك الحوثي –الذي يُعتقد أنه في منتصف الأربعينيات من عمره– على أنه شخصيةٌ أبويةٌ وزعيمٌ دينيٌّ يدّعي انحداره من نسل النبي محمد. 
ووفقاً لتقارير منظمات حقوق الإنسان، فقد جنّد الحوثيون أطفالاً للقتال، كما نظّموا ما يُعرف بـ«الدورات الثقافية» في العاصمة صنعاء، تستهدف المراهقين، حيث تُعرض عليهم خطاباتٌ وكتاباتٌ تحضّ المسلمين على مقاومة التأثيرات الغربية ودعم القضية الفلسطينية.
وقال شابٌّ حضر إحدى تلك الدورات قبل بضع سنوات لصحيفة وول ستريت جورنال:
«نحن نؤمن حقاً بعبد الملك، ونحن على استعدادٍ لاتباع أوامره لأننا نعتقد أنها أوامر من الله».
وأوضح الشاب –الذي أصبح لاحقاً عضواً في جماعة الحوثي وطلب عدم الكشف عن هويته– أنه شعر بالقوة والانتماء بعد انضمامه إلى الجماعة.

وقال أحدهم:«عندما تحمل السلاح، تصبح قائداً، وتتخذ القرارات. وأحياناً تُمنح راتباً أو تُعرض عليك وظيفة، فهل هناك ما هو أفضل من ذلك في بلدٍ مثل اليمن؟»
ووفقاً لتقارير الأمم المتحدة، فإنّ المعتقلين في سجون الحوثيين يتعرّضون للتعذيب، ويخضعون لإعداماتٍ وهميةٍ متكرّرة، وللضرب على الأعضاء التناسلية، أو لصدماتٍ كهربائية. وتشير التقارير إلى أنّ مقرّ جهاز الأمن التابع للجماعة يحتوي على زنازين تُعرف باسم «غرف العصر»، لا يتجاوز طول الواحدة منها ثلاثة أقدامٍ وعرضها قدمين تقريباً، حيث يُحتجز السجناء في عزلةٍ تامة بينما تُبث عبر مكبّرات الصوت خطبُ عبد الملك الحوثي.
وفي العام الماضي، أصدرت محكمةٌ حوثيةٌ حكماً بالإعدام على تسعة أشخاصٍ بتهمة المثلية الجنسية —بعضهم رجماً بالحجارة، والبعض الآخر صلباً— وفقاً لمنظمة العفو الدولية، وقد نُفّذت الإعدامات في ساحةٍ عامة.
وحتى قبل عقدٍ واحد فقط، كان الحوثي وجماعته قوةً هامشيةً حتى داخل اليمن، ولم يكونوا يحظون باهتمامٍ جدي من أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية. غير أنه في أواخر أغسطس/آب الماضي، بدا أنّ إسرائيل حققت اختراقاً استخباراتياً كبيراً عندما التقطت إشاراتٍ تُفيد بأنّ حكومة الحوثيين كانت تعتزم عقد اجتماعٍ رفيع المستوى. وبعد ساعاتٍ فقط، شنّت المقاتلات الإسرائيلية غارةً على قاعة مؤتمراتٍ في صنعاء، أسفرت —بحسب الحوثيين— عن مقتل ما لا يقل عن 12 مسؤولاً حكومياً، بينهم رئيس الوزراء ووزير الخارجية، وإصابة آخرين بجروحٍ بالغة.
وأعلنت إسرائيل لاحقاً أنّ الضربة أسفرت أيضاً عن مقتل رئيس أركان الجماعة العسكري، إلا أنّ الغارة لم تُفلح في ردع الحوثيين أو إضعاف قدرتهم على تنفيذ هجماتٍ ضد إسرائيل.
ويُعرف عبد الملك الحوثي بهوسه الشديد بالحفاظ على سرية مكانه، إذ لا يعقد اجتماعاتٍ إلا عبر الفيديو من منازل آمنة. ووفقاً لأشخاصٍ مطّلعين على تلك الترتيبات، فإنّ دبلوماسيين سابقين التقوا بمسؤولين حوثيين اضطروا إلى تسليم هواتفهم قبل أن يُنقلوا عبر شوارعٍ متعرّجةٍ في سياراتٍ مغلقة، ليُستقبلوا في نهاية المطاف داخل غرفةٍ صغيرةٍ فيها شاشةُ حاسوبٍ يظهر عليها عبد الملك الحوثي عبر اتصالٍ مرئيٍّ مباشرٍ مع ترجمةٍ فوريةٍ حية.
وقد رفض مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي التعليق على الحوثي، فيما أعلن البيت الأبيض أنه ينسّق مع شركائه الإقليميين من أجل تأمين الممرات البحرية وإضعاف قدرات الحوثيين وقطع تدفّق الأسلحة الإيرانية إلى الجماعة. أما المكتب السياسي للحوثيين في مسقط، عُمان، فقد امتنع عن التعليق.
•مختار من الله
برز الحوثيون كقوةٍ مؤثرةٍ في اليمن، الواقع عند الطرف الجنوبي لشبه الجزيرة العربية، خلال تسعينيات القرن الماضي. وتنتمي الجماعة إلى الطائفة الزيدية، وهي فرعٌ من التيار الشيعي، كانت قد حكمت شمال اليمن لنحو ألف عام قبل أن يطيح بها انقلابٌ عسكري عام 1962. وقد شعر كثيرٌ من الزيديين –الذين يشكّلون نحو ثلث سكان اليمن– بأنهم أُقصوا وتعرّضوا للتهميش بعد ذلك التحوّل.
ومن رحم هذا الاستياء، أسّس (حسين الحوثي)، الشقيق الأكبر لعبد الملك، حركةً إحيائيةً تدعو إلى مقاومة النفوذ الغربي ودعم القضية الفلسطينية. وقد وجدت الحركة صدىً واسعاً بين الشباب اليمنيين الناقمين على حكومة بلادهم المتحالفة مع جماعاتٍ سنّيةٍ منافسةٍ والمتعاونة مع الولايات المتحدة في حربها على الإرهاب.

ورَوّج حسين الحوثي بين أتباع المذهب الزيدي لفكرةٍ جديدةٍ تمثّلت في وجود قائدٍ أوحد يُعرف بـ«الهادي المعبود» أو «المرشد المقدّس»، يُختار بإرادةٍ إلهيةٍ ليحكم. وكان الأئمة الزيديون سابقاً يكتسبون شرعيتهم من مكانتهم العلمية والدينية، لا من فكرة «الاصطفاء الإلهي». واستلهم حسين هذا المفهوم من إيران، حيث قاد (آية الله روح الله الخميني) ثورة عام 1979 وأصبح الزعيم السياسي والروحي للدولة.
وفي عام 2004، قُتل حسين الحوثي في مواجهاتٍ مع القوات الحكومية. وكان عبد الملك الحوثي حينها في أوائل العشرينات من عمره —نحيف البنية وهادئ الطباع— ما جعله، وفقاً لما ذكره (علي البخيتي)، الناطقِ السابق باسم الجماعة الذي انشقّ عنها عام 2015 ويقيم حالياً في المملكة المتحدة، يفتقر إلى الصفات الذكورية التقليدية التي تُعتبر ضروريةً للقيادة في المجتمع القبلي اليمني.
لكن عبد الملك الحوثي تميّز بقدرته على إعادة تجميع أنصار شقيقه داخل كهوفٍ تقع في معاقل الجماعة شمالي محافظة صعدة، وقيادة حربِ عصاباتٍ ضد قوات الحكومة الأقوى تسليحاً وعدداً. كما تبنّى فكرة أنه خليفةٌ للنبي ومختارٌ من الله.
وقال البخيتي، الذي لم يكن عضواً في الجماعة آنذاك لكنه سمع رواياتٍ عن صعود الحوثي:
«لقد كان يقود المعارك بنفسه، وهنا بدأ الناس يعتقدون حقاً أن هذا الرجل قد اختاره الله».
وبعد سنواتٍ قليلة، وفي خضمّ فوضى الربيع العربي، نجح الحوثيون في فرض سيطرتهم الكاملة على محافظة صعدة. وفي تلك الفترة تقريباً، أصبح (جمال بن عمر) –المبعوثُ الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن بين عامي 2011 و2014– واحداً من قلةٍ نادرةٍ من الدبلوماسيين الأجانب الذين التقوا عبد الملك الحوثي شخصياً.
ويصف بن عمر اللقاء الأول بأنه جرى داخل منزلٍ آمنٍ بسيطٍ في صعدة كان قد تعرّض للقصف من قِبل القوات الحكومية اليمنية، مما جعل المنطقة فقيرةً ومكتظّةً بالجرحى وذوي الأطراف المبتورة. وأضاف أنّ مقاتلي الحوثي كانوا ينتعلون الصنادل ويحملون بنادق كلاشنيكوف قديمة.
ورغم أن عبد الملك الحوثي لم يكن قد سافر كثيراً إلى الخارج، ولا حتى داخل اليمن نفسه، إلا أنه بدا ناضجاً لأقرانه وودوداً على نحوٍ غير مألوف، بحسب بن عمر، الذي يرأس حالياً المركز الدولي لمبادرات الحوار في نيويورك.
وقال بن عمر أيضًا:
«كان يقود ميليشيا صلبةً ومقاتلة، ومع ذلك كان لطيفاً للغاية وهادئ الطباع».
•الدعم الإيراني
لكن المظهر الهادئ لعبد الملك الحوثي كان يخفي وراءه نزعةً استراتيجيةً صارمةً لا تخلو من القسوة، دفعته إلى تعزيز علاقاته مع داعمين خارجيين قادرين على تمكين جماعته من الصعود. فوفقاً لما أورده علي البخيتي، المتحدثُ السابق باسم الجماعة، كانت إيران في تلك الفترة تبني شبكةً إقليميةً من الحلفاء، وقدّمت للحوثيين في البداية دعماً عبر تزويدهم بالسلاح والتحويلات المالية.
وخلال العقد التالي، أنفقت إيران مئات الملايين من الدولارات لدعم مقاتلي الحوثي بأسلحةٍ ووقودٍ وأموالٍ نقدية، بحسب وزارة الخارجية الأميركية. وفي عام 2014، سيطر الحوثيون على العاصمة صنعاء، مما أثار مخاوف عميقة لدى دول الخليج من ترسّخ نفوذِ حليفٍ شيعيٍّ لإيران على شبه الجزيرة العربية.
عندها، تدخّل تحالفٌ من الدول العربية السنيّة بقيادة السعودية والإمارات، وشنّ غاراتٍ جويةً استهدفت إعادة الحكومة التي أطاح بها الحوثيون.
ورغم القصف المكثّف، تمكّن عبد الملك الحوثي –بفضل الدعم الإيراني– من الصمود، بل والردّ على السعودية والإمارات باستخدام طائراتٍ مُسيّرةٍ وصواريخ زهيدة الكلفة.
ورغم أن معظمها اعترضته الدفاعات الجوية، فإنّ تلك الهجمات هدّدت منشآت النفط، وهي المصدر الرئيسي لتمويل خصومه، كما قوّضت صورة مدن السعودية والإمارات كأماكنٍ آمنةٍ للعيش والعمل، ما عرّض مشاريع الإصلاح الاقتصادي الرامية إلى تنويع مصادر الدخل بعيداً عن النفط للخطر.
ويقول مسؤولون سعوديون إنهم نفّذوا أكثر من 145 ألف مهمةٍ قتاليةٍ واستطلاعيةٍ فوق الأراضي اليمنية خلال ثلاث سنوات، ومع ذلك لم يتمكنوا من إخراج عبد الملك الحوثي من مخابئه في الكهوف. وفي نهاية المطاف، توسّطت الأمم المتحدة لإبرام هدنةٍ بدعمٍ سعودي كان يُفترض أن تمهّد لاتفاقٍ أوسع لتقاسم السلطة بين الحوثيين وبقية الفصائل اليمنية، إلا أنّ المحادثات توقفت.
•إحباط إدارة ترامب
عندما اندلع الصراع في غزة، حوّل الحوثي وجهة هجماته لتستهدف السفن التجارية في البحر الأحمر ومدينة تل أبيب، في خطوةٍ أظهرت تضامن الجماعة مع حركة حماس والقضية الفلسطينية، ما أدّى إلى تصاعد الاهتمام العالمي بالحوثيين.
وسرعان ما تحرّك الوسطاء العرب الساعون للتوصل إلى وقفٍ لإطلاق النار في غزة نحو التواصل دبلوماسياً مع الحوثيين، خشية أن يكونوا يشجّعون حماس على رفض تقديم تنازلاتٍ من أجل التهدئة. كما كانت مصر، التي تضرّرت من تراجع عائدات قناة السويس نتيجة انخفاض حركة السفن في البحر الأحمر، تملك دافعاً إضافياً للتواصل مع الحوثيين.

وقد استضاف المسؤولون المصريون الحوثيين مراراً في القاهرة، طالبين منهم وقف الهجمات على السفن التجارية، مقابل المساعدة في تحسين علاقاتهم الدبلوماسية مع الولايات المتحدة. لكن رسالة الحوثي كانت دائماً واحدة: لن يخفف التصعيد ما لم تتوقف إسرائيل عن حربها في غزة.
ومع تزايد إحباط الرئيس الأميركي (دونالد ترامب) من هجمات الحوثيين، أرسل في ربيع هذا العام أسطولاً بحرياً ضخماً لمواجهة الجماعة. غير أنه بعد خسارة ثلاث طائراتٍ حربيةٍ أميركيةٍ في حوادث تشغيلية، قرر ترامب إبرام اتفاقٍ يقضي بالتوقف المتبادل عن الهجمات بين الجانبين.
ووفقاً لمسؤولين عُمانيين شاركوا في التوسّط لإبرام تلك الهدنة، كان الحوثيون حريصين على الدخول في محادثات، إذ استهدفت الغارات الأميركية المناطق الخاضعة لسيطرتهم ليلاً ونهاراً، مسببةً أضراراً جسيمة في البنية التحتية. وفي المقابل، رأت الولايات المتحدة أنّ الحوثيين أصحابُ قدرةٍ على المقاومة واستمرار القتال، فبحثت عن اتفاقٍ يخفّف التصعيد.
وبعد ذلك، استأنف الحوثيون بسرعة تعطيل حركة السفن التجارية، مع تجنّب السفن الأميركية. وبعد فترةٍ وجيزةٍ من الهدنة، شنّت قواتٌ حوثيةٌ مسلّحة على متن زوارق صغيرة هجماتٍ على سفينتين بالقرب من سواحلهم، مما أسفر عن غرقهما ومقتل عددٍ من أفراد الطاقم، في واحدةٍ من أعنف وأعقد الهجمات على حركة الملاحة في البحر الأحمر.
وعندما بدأت إسرائيل حملةَ غاراتٍ جويةٍ ضد إيران في يونيو/حزيران الماضي، كان الحوثي الوحيدَ من بين حلفاء طهران الإقليميين السابقين الذي واجه الضربات بالرد. أمّا حزب الله اللبناني، فقد أبلغ الدبلوماسيين العرب أنه سيبقى على الحياد بعد مواجهته السابقة مع إسرائيل في الخريف الماضي، فيما كانت حركة حماس –التي أضعفها الصراع في غزة– غير قادرةٍ على تقديم دعمٍ جاد.
ولم يقتصر عبد الملك الحوثي على إطلاق الصواريخ تجاه إسرائيل فحسب، بل تعهّد بتصعيد الصراع مع الدول العربية إذا قدّمت أي دعمٍ عسكريٍ لإسرائيل، وفقاً لما نقله وسطاء عرب تلقّوا الرسالة.
ويقول مسؤولون إسرائيليون إنه حتى بعد انتهاء حرب غزة، من المتوقّع أن يظل الحوثيون تحدّياً كبيراً وتركيزاً جديداً لجهاز الاستخبارات الإسرائيلي المعروف.
أمّا بالنسبة لعبد الملك الحوثي، فإنّ القتال ضد الولايات المتحدة وإسرائيل رفع مكانة حركته إلى مستوى القوى الكبرى، وهو ما كان يبدو مستحيلاً عندما صاغ شقيقه المبادئ الأولى للجماعة، وفقاً لأشخاصٍ يدرسون نشاطها.
وقال (محمد الباشا)، محلّلٌ يمنيٌّ مقيمٌ في الولايات المتحدة:
«يرى عبد الملك الحوثي نفسه كقائدٍ مختارٍ من الله، وإنّ سلسلةَ انتصارات الحوثيين على ميادين القتال لم تفعل سوى تعزيز هذا التصوّر.»

لقراءة المادة من موقعها الأصلي: