[ من صفحة صندوق الأمم المتحدة للسكان في اليمن ]
في صباحٍ مشمس، شعرت فاطمة بمخاض الولادة فأرسلت أحد أبنائها لاستدعاء زوجها الذي كان يعمل في رعي الأغنام لينقلها الى أقرب وحدة صحية، وعند وصولها إلى المستوصف لم تجد طبيبا مختص، ولا رعاية طبية، فتم تحويلها إلى مستشفى مديرية حديبو الذي يبعد عن القرية 50 كيلو متر، كانت الرحلة شاقة بسبب الطريق الوعرة وتعطيل السيارة المتكرر كل بضعة كيلو مترات..
فاطمة سعيد ((30 عامًا، واحدة من نساء منطقة مومي الواقعة شرق جزيرة سقطرى اللواتي يعانين من تدنى خدمات الصحة الإنجابية في الريف، ويجدن أنفسهن أمام رحلة شاقة نحو المستشفى العام في مدينة حديبو الواقعة في العاصمة، وسط تضاريس وعرة وطرقات غير ممهدة وانعدام شبه كامل لوسائل النقل.
طريق وعرة وألم
بعد معاناة شديدة من وعورة الطريق والنزيف المستمر وصلت فاطمة الى المستشفى في مدينة حديبو لكن بعد فوات الأوان فقد توفى جنينها وساءت حالتها الصحية ما استدعى بقائها في المستشفى للعناية والمتابعة.
تقول فاطمة، "عانيت من تعسر الولادة في شهري التاسع وواجهت صعوبات كبيرة في الوصول إلى المستشفى، ولم أجد الرعاية الكافية".
تضيف، "الطريق للمستشفى كان طويل، ووعر والسيارة التي نقلتنا كانت تتعطل كل بضع كيلومترات، وزاد النزيف، والأم، وكان زوجي يبذل قصار جهدة ليوصلني إلى المستشفى، لكن للأسف كان قد فات الأوان وتوفى جنيني في بطني".
تقول الممرضة، سيناء يحيى، وهي تعمل قابلة في مركز نوجد الواقع جنوب من الجزيرة في منطقة محطه، "للأسف يلدن النساء في البيوت بدون إشراف طبي، وبعضهن يوصلن للوحدات الصحية بعد معاناة من نزيف او مضاعفات خطيرة"
وتضيف، "لا توجد سيارة إسعاف او طبيب مختص في الوحدات، لذا يتم تحويل النساء اللاتي يصلن إلى الوحدات إلى مستشفى في حديبو وبعض الحالات يصلن بعد الأوان قد فات".
مراكز صحية بلا تجهيزات
يوضح مساعد طبيب، فائز عبدالله، وهو يعمل في المستشفى العام بسقطرى، أن العديد من النساء الريفيات يصلن للمستشفى في حالة متأخرة، وكثير منهن يعانين من نزيف حاد و مضاعفات خطيرة بسبب عدم وجود الرعاية الطبية.
يضف، "نعمل بجهد كبير لإنقاذ حياتهن، لكن أحيانًا يكون قد فات الأوان"، مطالب بتحسين الرعاية الصحية في الريف، وتُجهز المراكز الصحية بالريف بشكل جيد في كل قرية، ووسائل نقل سريعة وآمنة، لنقل الحالات الطارئة إلى المستشفى لتقليل معدل وفيات الأمهات والأطفال.
في مناطق مثل شعاب، حجهر. قعره، ديشص ، نوجد، ومومي، وقلنسية وغيرها من المناطق الريفية تضطر النساء الحوامل لقطع عشرات الكيلومترات على الطرق الجبلية الوعرة للوصول إلى المستشفى العام. كثيرات منهن يلدن في الطريق، وبعض الحالات تنتهي بمضاعفات خطيرة أو وفاة الأم أو الجنين بسبب التأخر في الوصول إلى الرعاية الطبية الطارئة.
تنتشر في بعض القرى مراكز صحية صغيرة، لكنها تفتقر إلى أبسط مقومات الخدمة الطبية. فالممرض أو القابلة أحياناً هم من يتحملون مسؤولية حالات حرجة دون وجود طبيب مختص أو معدات طبية أساسية
تُعدّ ندرة الكوادر الطبية المؤهلة من أكبر التحديات التي تواجه قطاع الصحة في سقطرى، خصوصاً في المناطق الريفية. فالأطباء المتخصصون يتمركزون في العاصمة حديبو، بينما تبقى المراكز الريفية تعتمد على كوادر تمريضية محدودة الخبرة أو متطوعين محليين لا يملكون تدريباً كافياً للتعامل مع حالات الولادة المعقدة0
غياب الدعم الدولي
ورغم تصنيف سقطرى كموقع تراث عالمي ومناطق إنسانية بحاجة إلى دعم، فإن المنظمات الدولية العاملة في المجال الصحي لا تقدم سوى تدخلات محدودة وموسمية، تقتصر على حملات تطعيم أو قوافل طبية قصيرة المدى، دون وجود برامج دائمة لبناء قدرات الكادر الطبي و تجهيز المراكز الريفية بالمستلزمات الضرورية، بحسب ناشطين وناشطات محليين في سقطرى، مطالبين بضرورة إنشاء وحدات ولادة طارئة في كل مديرية ريفية، وتوفير سيارات إسعاف مخصصة للمناطق النائية، إلى جانب تدريب الكادر الطبي وتأهيل القابلات لتقليل معدلات الوفيات بين الأمهات والمواليد.
وبحسب مكتب وزارة الصحة بسقطرى، فأن مستشفى حديبو استقبل خلال عام 2025 نحو 1,257 حالة ولادة، و بلغ عدد النساء اللواتي تلقين رعاية ما قبل الولادة 1,493 حالة، و733 حالة رعاية بعد الولادة.
وقد سجلت 4 حالات نزيف قبل الولادة، مقابل 13 حالة نزيف بعد الولادة، إضافة إلى 115 حالة إجهاض، وحالة وفاة واحدة بين الأمهات خلال نفس العام. كما بلغ عدد المستفيدات من خدمات تنظيم الأسرة 7,341 امرأة.
وبالنسبة البنية الصحية، أفاد مكتب وزارة الصحة بأن عدد المراكز الصحية الفاعلة في سقطرى يبلغ 23 مركزاً، في حين توجد 3 مراكز غير نشطة.
تشير تقارير مشتركة صادرة عن منظمة الصحة العالمية وصندوق الأمم المتحدة للسكان إلى أن معدل وفيات الأمهات في اليمن بلغ 118 وفاة لكل 100 ألف ولادة حية عام 2020. كما توضح التقارير أن 4 من كل 10 نساء لا يحصلن على رعاية كافية خلال فترة الحمل من قبل مقدمين صحيين مؤهلين، في ظل عمل نحو 40% فقط من المرافق الصحية بشكل جزئي.
تشعر فاطمة بالحزن على فقدانها جنينها، وفي ذات الوقت تطالب بتحسين الرعاية الصحية في المناطق النائية، وتوفير الإمكانيات اللازمة لانقاد النساء والأطفال والمواليد، قائلة "لا يجب أن تعاني امرأة أخرى مثلما عانيت وتشعر بالفقد مثلي".