تحليل: حضرموت والمهرة..صراع معسكر الشرعية وتهديد الحوثي
يمن فيوتشر - خاص: الخميس, 01 يناير, 2026 - 12:32 صباحاً
تحليل: حضرموت والمهرة..صراع معسكر الشرعية وتهديد الحوثي

شهدت الساحة اليمنية، خلال الأيام الماضية، تطورات مفصلية تمحورت حول تصعيد عسكري وسياسي في محافظتي حضرموت والمهرة، أعاد إلى الواجهة هشاشة التوازنات داخل معسكر الشرعية، وفرض على المملكة العربية السعودية إعادة ضبط معادلات الأمن وحدود التحالفات.

جاء ذلك على خلفية تحركات عسكرية نفذتها قوات تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي بدعم إماراتي، اعتبرتها الرياض تهديدًا مباشرًا لأمنها الوطني وأمن اليمن والمنطقة، لا سيما مع اقتراب تلك التحركات من حدودها الجنوبية.

وفي موقف حازم، شددت السعودية على أن أمنها القومي خط أحمر لا يمكن تجاوزه، مؤكدة التزامها بوحدة اليمن وسيادته، ودعمها الكامل لمجلس القيادة الرئاسي ومؤسسات الدولة الشرعية. وفي الوقت ذاته، جددت الرياض تأكيدها عدالة القضية الجنوبية، ورفضها القاطع لأي محاولة لمعالجتها خارج إطار الحوار السياسي الشامل، أو فرض وقائع بالقوة عبر تشكيلات مسلحة خارج سلطة الدولة.

بالتوازي مع الضغط السياسي، نفذت قوات تحالف دعم الشرعية، بقيادة السعودية، ضربة جوية وُصفت بالمحدودة والدقيقة، استهدفت شحنة أسلحة ومعدات عسكرية أُدخلت إلى ميناء المكلا دون تصاريح رسمية، في خطوة هدفت – بحسب التحالف – إلى منع عسكرة الموانئ وقطع الطريق أمام فرض أمر واقع بالقوة. وتزامن ذلك مع قرارات حاسمة أصدرها رئيس مجلس القيادة الرئاسي، الدكتور رشاد العليمي، شملت إلغاء اتفاقية الدفاع المشترك مع الإمارات، وإعلان حالة الطوارئ، والمطالبة بسحب القوات الإماراتية خلال مهلة 24 ساعة، وتسليم المواقع والمعسكرات لقوات «درع الوطن».

وحظيت قرارات العليمي بدعم واسع من الحكومة والمؤسسات العسكرية والأمنية والسلطات المحلية، التي رأت فيها إجراءات سيادية تهدف إلى حماية وحدة القرار العسكري والأمني ومنع تفكك الدولة. كما حملت هذه القرارات رسائل واضحة إلى المجتمع الدولي، مفادها أن ما يجري في حضرموت والمهرة لا يمثل خلافًا سياسيًا داخليًا فحسب، بل تهديدًا مباشرًا لكيان الدولة، ومحاولة لإعادة إنتاج سلطات موازية، وهو ما حذر العليمي من تداعياته الإقليمية والدولية، خصوصًا على أمن الطاقة والملاحة والاستقرار الاقتصادي.

وعلى وقع المهلة والضغط السعودي، أعلنت دولة الإمارات بدء سحب قواتها المتبقية من اليمن، مؤكدة أن القرار جاء ضمن تقييم شامل لمتطلبات المرحلة، وبما ينسجم مع دورها في دعم أمن المنطقة. غير أن أبوظبي نفت، في بيانات رسمية، اتهامات تحميلها مسؤولية التصعيد، وأكدت أنها عملت على احتواء التوتر ودعم مسارات التهدئة، رافضة الروايات التي تحدثت عن إدخال شحنات أسلحة أو دفع أطراف محلية نحو تحركات تهدد أمن السعودية.

وفي السياق ذاته، أفادت مصادر محلية بإقلاع ثلاث طائرات شحن عسكرية إماراتية من مطار الريان في حضرموت، تقل جنودًا ومعدات عسكرية، في عملية انسحاب جرت بإشراف مباشر من القوات السعودية، التي بدأت تسلّم المواقع الحيوية في القاعدة والمطار، في تطور اعتُبر رسالة واضحة باتجاه خفض التصعيد.

في المقابل، نفى متحدث باسم قوات المجلس الانتقالي صحة تقارير تحدثت عن انسحاب قواته من مواقعها في حضرموت والمهرة، مؤكدًا بقاءها في حالة «جاهزية عالية»، وهو ما يعكس تباينًا في الروايات، ويؤشر إلى حساسية المرحلة.

وفي هذا الإطار، دعا محافظ حضرموت، سالم الخنبشي، أبناء المحافظة المنخرطين في قوات غير نظامية إلى مغادرة مواقعهم والالتحاق بالقوات الحكومية، محذرًا من التبعات القانونية، ومؤكدًا جهوزية قوات «درع الوطن» وقوات محلية من أبناء حضرموت للانتشار وحفظ الأمن. وأوضح أن حضرموت والمهرة تمثلان عمقًا أمنيًا استراتيجيًا للمملكة، وأن استقرارهما جزء لا يتجزأ من أمن السعودية والمنطقة، في ظل حدود طويلة وتشابكات اجتماعية وتاريخية.

وفي محافظة المهرة، برزت مواقف شعبية وسياسية رافضة لعسكرة الحياة المدنية والتدخلات الخارجية، حيث أكدت لجنة الاعتصام السلمي تمسكها بمطالبها ورفضها أي وجود مسلح خارج مؤسسات الدولة، محذرة من تداعيات ذلك على السلم المجتمعي. كما عبّر أبناء المهرة عن دعمهم لقرارات القيادة الرئاسية، مثمّنين الدور السعودي في دعم الأمن والاستقرار، ومطالبين بتمكين أبناء المحافظة من إدارة شؤونهم ضمن إطار الدولة.

وفي خضم هذه التطورات، حذرت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا من أن تفجير الجبهة الداخلية وتشتيت الجهد الوطني يخدم بشكل مباشر جماعة الحوثي المدعومة من إيران، ويمنحها فرصة لإطالة أمد الحرب وتعزيز مواقعها عسكريًا وسياسيًا. كما أن أي انزلاق إلى مواجهة مفتوحة في حضرموت والمهرة قد يفضي إلى تعطيل تصدير النفط وتعميق الأزمة الإنسانية، وهو ما يجعل احتواء التصعيد أولوية وطنية وإقليمية.

وعلى المستوى الإقليمي والدولي، كثّفت الرياض تحركاتها، حيث بحث وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، مع نظيريه الأميركي ماركو روبيو، والعُماني بدر بن حمد البوسعيدي، تطورات الأوضاع في اليمن، والتوترات المتصاعدة، وسبل احتواء التصعيد ودعم المسار السياسي الشامل.

وشددت السعودية، وفق تقارير إعلامية، على أن أمنها القومي «خط أحمر»، مؤكدة التزامها بوحدة اليمن وسيادته، ودعمها الكامل لمجلس القيادة الرئاسي، مع رفض أي محاولات لفرض وقائع بالقوة خارج إطار الدولة والحوار السياسي.

ويرى مراقبون أن أي انفجار عسكري في محافظتي حضرموت والمهرة سيصب مباشرة في مصلحة جماعة الحوثي، التي تجيد توظيف الصراعات الجانبية لإعادة ترتيب أوراقها. ففتح جبهة توتر جديدة في الشرق يخفف الضغط العسكري والسياسي عن الحوثيين في جبهات التماس الرئيسية، ويمنحهم هامشًا أوسع لإعادة التحشيد وتعزيز قدراتهم وترميم شبكاتهم اللوجستية التي تضررت خلال الأشهر الماضية. 

كما أن انشغال الحكومة الشرعية وحلفائها بصراعات داخلية يضعف الجبهة المناهضة للحوثيين، ويبعثر الأولويات الدولية التي تركز على حماية الممرات البحرية وأمن الطاقة، وهو ما اعتادت الجماعة استغلاله لتقديم نفسها كأمر واقع لا يمكن تجاوزه. وفي حال تحوّل التوتر إلى حرب مفتوحة، سيجد الحوثيون فرصة سانحة لتوسيع نفوذهم سياسيًا وعسكريًا وفرض شروطهم في أي تسوية قادمة، مستفيدين من حالة الاستنزاف والانقسام التي تصيب خصومهم.

تتقاطع هذه التطورات لتكشف عن لحظة سياسية فارقة في اليمن، تتقدّم فيها الدولة بوصفها المرجعية الوحيدة للأمن والقرار، وسط ضغوط داخلية، ورسائل إقليمية حاسمة، وتأكيد دولي على وحدة البلاد. وتشير هذه المرحلة إلى اختبار حقيقي لقدرة مؤسسات الدولة على فرض سيادتها، واحتواء النزاعات الجانبية، ومنع استغلال الفوضى من قبل الجماعات المسلحة، بما في ذلك الحوثيون، الذين يترقبون أي انقسام داخلي لصالح توسعة نفوذهم. كما تشكل هذه اللحظة فرصة لإعادة ترتيب الأولويات الوطنية، وتعزيز الشراكات الإقليمية والدولية، وترسيخ مفهوم الدولة الجامعة كضمان للاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي في اليمن.

وبين دعوات الانضواء تحت مؤسسات الدولة، ورفض العسكرة، والتحركات الإقليمية، يبقى مستقبل حضرموت والمهرة، واليمن عمومًا، رهين قدرة الأطراف على تغليب منطق الدولة على منطق السلاح.


التعليقات