تحليل: التحوّل الجذري في اليمن وتداعياته التي تتجاوز حدوده الوطنية
يمن فيوتشر - معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى – أبريل لونغلي- ترجمة خاصة  الثلاثاء, 23 ديسمبر, 2025 - 01:03 مساءً
تحليل: التحوّل الجذري في اليمن وتداعياته التي تتجاوز حدوده الوطنية

شهد الوضع في اليمن تحوّلًا دراماتيكيًا هذا الشهر، عقب تمكّن القوات الجنوبية المتحالفة مع دولة الإمارات العربية المتحدة من السيطرة السريعة على محافظتين واسعتين تمثّلان قرابة نصف مساحة البلاد، هما إقليم حضرموت النفطي المحاذي للمملكة العربية السعودية، ومحافظة المهرة المتاخمة لسلطنة عُمان. وقد منح هذا الهجوم المجلس الانتقالي الجنوبي (STC) — الذي ظلّ طوال السنوات الثلاث الماضية جزءًا غير منسجم من الحكومة المعترف بها دوليًا — سيطرةً فعلية على معظم أراضي ما كان يُعرف بـ«اليمن الجنوبي»، الدولة المستقلة قبل عام 1990، كما قرّبه خطوةً إضافية من هدفه المعلن المتمثل في الانفصال.

ومن منظور بعيد، قد يبدو هذا التطور شأنًا داخليًا بحتًا، لكنه في الواقع ليس كذلك. فالمملكة العربية السعودية تنظر إلى حدودها الممتدة مع حضرموت بطول 425 ميلًا، وما يربطها بالإقليم من روابط ثقافية عميقة، بوصفها عناصر جوهرية في أمنها القومي، فيما تنظر سلطنة عُمان إلى محافظة المهرة بالمنظار نفسه. وفي هذا السياق، تطالب الرياض حاليًا بانسحاب القوات المدعومة إماراتيًا، إلا أن المجلس الانتقالي الجنوبي يرفض الامتثال. وينذر هذا الجمود بنسف الهدنة الهشّة التي صمدت لنحو ثلاث سنوات ونصف، ما قد يؤدي إلى تجدّد الحرب التي غالبًا ما صبّت في مصلحة جماعة الحوثيين المدعومة من إيران. كما قد يسهم هذا التصعيد في تعميق التوتر بين حليفين رئيسيين للولايات المتحدة، هما السعودية والإمارات، في وقت تشهد فيه علاقاتهما توترًا قائمًا بالفعل على خلفية الخلافات في السودان.

 

• التطورات الميدانية

في الثالث من ديسمبر/ كانون الأول، سيطرت قوات موالية للمجلس الانتقالي الجنوبي على منشآت عسكرية ومبانٍ حكومية ومرافق نفطية في وسط وشمال محافظة حضرموت، بعد انتزاعها من قوات قبلية وعسكرية يمنية مرتبطة بالمملكة العربية السعودية. وخلال أيام قليلة، بسطت هذه القوات نفوذها على معظم حضرموت، ثم تقدّمت إلى محافظة المهرة، ورفعت أعلامها على الحدود العُمانية.

وقد أثارت السرعة اللافتة لهذا التوسع دهشة معظم المراقبين، بل دفعت إلى تكهّنات مفادها أن الرياض وأبوظبي توصلتا إلى تفاهم يقضي بتسليم تلك المنطقة بأكملها للمجلس الانتقالي الجنوبي. وخلال الهجوم، لم يُصدر رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني (رشاد العليمي) أي تصريحات علنية، كما لم يُصدر أوامر إلى قيادة المنطقة العسكرية الأولى التابعة للحكومة في حضرموت لمواجهة التقدّم. وفي الواقع، سلّمت معظم الوحدات الحكومية معسكراتها من دون قتال، في حين تلاشت إلى حدٍّ كبير قوات «درع الوطن» المدرَّبة سعوديًا.

ومع انقشاع غبار الأحداث، تبيّن أنه لم يكن هناك أي اتفاق بين الرياض وأبوظبي، في وقتٍ أدان فيه العليمي، متأخرًا، عملية السيطرة، واصفًا إياها بأنها إجراء أحادي وخطير يقوّض شرعية الحكومة. وفي ظل المطالب العلنية التي رفعتها الرياض بضرورة الانسحاب الكامل، أقرّ مسؤولون إماراتيون، في محادثات غير معلنة، بالحاجة إلى خفض التصعيد، فيما أوفدت الدولتان وفدًا مشتركًا إلى العاصمة المؤقتة للحكومة اليمنية في عدن، سعيًا للتوصل إلى تسوية.

غير أنّ التوترات على الأرض لا تزال في تصاعد مستمر. فقد قامت المملكة العربية السعودية بحشد قوات من «درع الوطن» وقوات الطوارئ اليمنية على طول الجبهة الشمالية، وأحكمت السيطرة على نقطتين محوريتين: منفذ الوديعة الحدودي، وتقاطع العبر الواقع إلى الجنوب منه، وكلاهما يُعدّان شريانين أساسيين لإمداد جبهة مأرب الحيوية في مواجهة قوات الحوثيين غربًا. وذكرت صحيفة الغارديان أن الرياض لوّحت حتى بشنّ ضربات جوية تستهدف مواقع المجلس الانتقالي الجنوبي. كما أقدمت المملكة على إجلاء ما تبقّى من قواتها العسكرية من مدينة عدن، في خطوة تحمل دلالات واضحة على مسعى لعزل المجلس الانتقالي. (ويُذكر أن رشاد العليمي وعددًا من أعضاء مجلس القيادة الرئاسي يقيمون أصلًا في الرياض، فيما يواصل الأعضاء الجنوبيون وحدهم العمل من عدن).

وفي المقابل، لم يكتفِ المجلس الانتقالي الجنوبي بالسعي إلى ترسيخ سيطرته على حضرموت، بل أطلق أيضًا حملة جديدة في محافظة أبين المجاورة، في إطار ما وصفه بمحاولة «مكافحة التهديدات المتطرفة» و«تعزيز الأمن والاستقرار في المناطق الجنوبية». وفي الحادي والعشرين من ديسمبر/ كانون الأول، أعلنت عدة وزارات وهيئات حكومية في عدن دعمها لتوسّع المجلس الانتقالي الجنوبي، ولـ«تطلعات أبناء الجنوب».

 

• لماذا الآن؟

عند النظر إلى هذه التطورات بأثرٍ رجعي، لا تبدو مفاجئة على نحوٍ كبير، إذ إنها متجذّرة بوضوح في ديناميات محلية راسخة منذ زمن طويل. ففي السابق، كانت السيطرة على حضرموت موزّعة بين قوات المجلس الانتقالي الجنوبي على طول الساحل، وقوات موالية للسعودية في مناطق الوادي (المناطق الصحراوية الداخلية). ورغم أن هذا التقسيم الجغرافي يستند إلى جذور تاريخية، فإن الإقليم حافظ في الوقت نفسه على هوية حضرمية جامعة وقوية، تدعم الحكم الذاتي المحلي لمجتمعات الساحل والوادي معًا، سواء ضمن يمن موحّد أو في إطار كيان مستقل.

ولا تُعدّ حضرموت معقلًا تقليديًا للمجلس الانتقالي الجنوبي، غير أن قياداته تنظر إلى الموارد النفطية للمحافظة بوصفها ركيزةً أساسية لقيام دولة انفصالية قابلة للحياة. في المقابل، تفضّل الرياض الإبقاء على يمن موحّد، فيما يعارض كثير من الحضارم المجلسَ الانتقالي خشية أن يقوّض تطلعاتهم للحكم الذاتي، وأن يعيد إحياء سياسات القمع المرتبطة بتجربة اليمن الجنوبي السابقة.

 

وقد تصاعد التوتر بين هذه الأهداف المتعارضة على مدار العام الماضي. إذ دفعت السعودية بثقلها خلف شخصيات قبلية، من بينها (عمرو بن حبريش)، الذي سيطر في يناير/ كانون الثاني على حقول نفطية رئيسية، في حين كان المجلس الانتقالي يستعدّ للمواجهة. وبعد وقتٍ قصير من الهجوم الأخير، أفاد ممثلو المجلس الانتقالي للكاتب بأنهم شعروا بأنهم محاصرون بين حشود عسكرية موالية للسعودية في حضرموت من جهة، وتراجع شعبيتهم هم أنفسهم من جهة أخرى، بوصفهم جزءًا من حكومة عجزت عن تقديم الخدمات أو التخفيف من حدّة الفقر. ولمواجهة هذه الضغوط وحماية مشروعهم الاستقلالي على المدى البعيد، بادروا بالتحرّك الاستباقي.

وقد يعكس توقيت هذه الخطوة أيضًا توقّعات واسعة باستئناف محادثات السلام بين السعودية والحوثيين، والتي كانت قد أحرزت تقدمًا ملموسًا قبل أن تعصف بها حرب غزة. وعلى وجه الخصوص، قد يكون المجلس الانتقالي سعى إلى انتزاع أوراق ضغط في مواجهة رغبة الحوثيين المعروفة بالحصول على حصة من النفط اليمني، الذي يقع معظمه في حضرموت. فضلًا عن ذلك، جاء الهجوم في سياق توتّر متصاعد بين السعودية والإمارات حول عدد من ملفات السياسة الخارجية، بما في ذلك المناقشات التي أجرتها الرياض مؤخرًا مع إدارة ترامب بشأن إنهاء الحرب في السودان، وهي الساحة التي تواجه فيها الإمارات تدقيقًا دوليًا متزايدًا.

ويتمثّل عاملٌ لافت آخر في الدفع الذي قامت به الإدارة الأمريكية مؤخرًا نحو تصنيف بعض فروع حركة «الإخوان المسلمين» العالمية منظماتٍ إرهابية أجنبية. وتُبدي كلٌّ من دولة الإمارات العربية المتحدة والمجلس الانتقالي الجنوبي معارضةً شديدة لنفوذ الجماعة في اليمن، بما في ذلك داخل الأجنحة المدعومة سعوديًا من الحكومة اليمنية. (إذ يضمّ حزب الإصلاح النسخة اليمنية من جماعة الإخوان المسلمين، وهو في الوقت نفسه جزء من الحكومة المعترف بها دوليًا، وتتركّز معاقله في محافظات مأرب وتعز، وبدرجة أقل في شمال حضرموت).

ورغم أن إعلانات التصنيف الأمريكية لم تكن الشرارة المباشرة للهجوم، فإنها وفّرت سياقًا سياسيًا مواتيًا مكّن المجلس الانتقالي الجنوبي من تقديم عملياته على أنها حملة ضرورية ضد نفوذ جماعة الإخوان، وكذلك ضد تأثير تنظيم القاعدة في حضرموت. ووفقًا لممثلي المجلس، فإن كلا التنظيمين يسهمان في تسهيل عمليات تهريب الأسلحة للحوثيين عبر سلطنة عُمان، وهو ما ينفيه حزب الإصلاح. ومن خلال إعلانه عزمه على مواجهتهما، يسعى المجلس الانتقالي الجنوبي إلى تسويق نفسه بنشاط لدى واشنطن — وكذلك لدى إسرائيل — بوصفه حليفًا في الحرب ضد كلٍّ من الحوثيين وجماعة الإخوان المسلمين.

 

• المخاطر والتوصيات

أدّى استيلاء المجلس الانتقالي الجنوبي على السلطة إلى فتح «صندوق باندورا» من الاحتمالات، يشير معظمها إلى عودة محتملة للصراع. فإذا فشلت السعودية والإمارات في احتواء التوترات، فمن المرجّح أن تندلع مواجهات بين فصائل الحكومة اليمنية نفسها، بما في ذلك في وادي حضرموت. ورغم أن الرياض تحرّكت ببطء في البداية، وتعتمد على مجموعة أقل تنظيمًا من التشكيلات المسلحة، فإن إمكاناتها المالية الواسعة وشبكة علاقاتها المتشعّبة تضعها في موقع يسمح لها بالاستفادة من المعارضة المحلية للمجلس الانتقالي الجنوبي. وقد يتكرر سيناريو مشابه في محافظة المهرة إذا قرّرت سلطنة عُمان التدخّل.

وفي المحصلة، فإن أي جولة قتال من هذا النوع ستصبّ في مصلحة جماعة الحوثيين. فمع انشغال قوات الحكومة، قد ترى الجماعة فرصة لاختبار تفوّقها في شمال شرق محافظة مأرب (التي تضم حقولًا نفطية)، و/أو على امتداد ساحل البحر الأحمر، حيث تحتفظ قوات المقاومة الوطنية الموالية للإمارات بموطئ قدم.

ووفقًا لتقرير «باشا ريبورت»، فقد جرى إعادة نشر عدد كبير من قوات المجلس الانتقالي من محافظات أخرى، ما ترك إحدى أكبر القواعد العسكرية في الجنوب، وهي قاعدة العند الجوية، مكشوفةً على نحوٍ خطير أمام أي توغّل حوثي. ومن شأن أي مكاسب ميدانية أن توفّر للحوثيين موارد إضافية لمواجهات مستقبلية مع الولايات المتحدة وشركائها الخليجيين وإسرائيل. كما أن زعزعة الاستقرار في حضرموت ستفتح المجال أمام تنظيم القاعدة وغيرها من الجماعات المتطرفة لتهديد الأمن على نطاق أوسع داخل اليمن وخارجه.

ويتمثّل خطر آخر في احتمال إقدام المجلس الانتقالي الجنوبي على إعلان الاستقلال على نحو متسارع، وهو ما قد يدفع الحوثيين وقوى شمالية أخرى إلى إعادة الاصطفاف ضده. وحتى الآن، يبدو أن قادة المجلس يدركون أن خطوة كهذه ستُقابَل بعزلة دولية، ولذلك حرصوا على ضبط خطابهم وأفعالهم ضمن هذا الإطار. غير أنه إذا سعت الرياض والحكومة اليمنية إلى تطويق المجلس وعزله وحرمانه من أي مخارج سياسية بديلة، فقد يختار في نهاية المطاف المجازفة والمضيّ في هذا المسار.

 

وباختصار، يتّجه حلفاء الولايات المتحدة نحو مسار تصادمي في اليمن، غير أنّ هذا المآل ليس حتميًا. فالتدخّل الأمريكي المبكر، والمتواصل، وعلى أعلى المستويات، يمكن أن يجنّب الجميع أضرارًا ذاتية جسيمة. وتحقيقًا لهذه الغاية، ينبغي على إدارة ترامب اعتماد مقاربة مزدوجة المسار، تقوم على جمع الحلفاء الخليجيين على وجه السرعة لاحتواء التصعيد الراهن، مع وضع أسس تفاهمات أوسع على المدى البعيد:

أولًا: السعي إلى تسوية في حضرموت تراعي الهواجس الأمنية الجوهرية للسعودية، مع الإقرار بموازين القوى الجديدة على الأرض.

ومن بين الخيارات الممكنة انسحابٌ جزئي لقوات المجلس الانتقالي الجنوبي، مقابل تولّي قوات حضرمية محلية السيطرة على مناطق الوادي. كما قد يشكّل تسليم المهام لعناصر حضرمية ضمن قوات «درع الوطن» المدعومة سعوديًا — وهي قوات ذات جذور محلية وتكوين سياسي متنوّع — خيارًا عمليًا. ومن شأن هذه الصيغة أن تتيح للمجلس الانتقالي إعلان نجاحه في تأمين المنطقة وإزاحة قيادة المنطقة العسكرية الأولى (التي ينظر إليها كثير من الحضارم، بحق أو بغير حق، باعتبارها قوة «شمالية» فاسدة ومرتبطة ارتباطًا وثيقًا بحزب الإصلاح)، وفي الوقت نفسه تمنح الرياض ضمانات بأن حلفاءها اليمنيين الموثوقين يتولّون تأمين الحدود.

ثانيًا: معالجة التحدّي الأوسع المتمثّل في توحيد مقاربة الشركاء الخليجيين للولايات المتحدة تجاه اليمن.

ففي اتصاله بتاريخ 17 ديسمبر/ كانون الأول بوزير الخارجية الإماراتي (عبد الله بن زايد)، أسهم وزير الخارجية (ماركو روبيو) في تهدئة الأوضاع عبر الدعوة إلى «الاستقرار» في سياق مواجهة الحوثيين. غير أن توحيد مواقف السعودية والإمارات على الأرجح سيتطلّب تدخّلًا مباشرًا من الرئيس ترامب، الذي يتمتّع بموقع فريد يؤهّله لتيسير هذا التقدّم، نظرًا لعلاقاته الوثيقة بقيادتي البلدين. ومن جانبه، صرّح رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي (عيدروس الزبيدي) علنًا بأن قواته مستعدة لدعم قوى أخرى في مواجهة الحوثيين، وإن كان من المرجّح أن يشترط في المقابل ضمانات للحكم الذاتي الجنوبي أو مسارًا واضحًا نحو الاستقلال.

وفي جميع الأحوال، فإن استكشاف تسويات تُقارب بين الشركاء الخليجيين واليمنيين يستحق بذل الجهد. والأفضل أن تتمكّن الولايات المتحدة من توحيد مختلف أدوات الضغط التي يمتلكها هؤلاء الشركاء في مواجهة الحوثيين، بالتوازي مع اختبار مدى استعدادهم لقبول تسوية سياسية وطنية مستدامة، تسوية تضمن أمن منطقة البحر الأحمر، وتطمئن جيران اليمن، وتستجيب في الوقت ذاته للمطالب الداخلية المتعلقة بالتوازن السياسي واستقلال الجنوب. ومع المزيج المناسب من الضغط والانخراط الأمريكي، يمكن لأحداث حضرموت أن تشكّل جرس إنذار طال انتظاره لكبح طموحات الحوثيين، وإنهاء الحرب اليمنية الممتدة، والحدّ من تداعياتها الإقليمية المزعزِعة للاستقرار.

 

لقراءة المادة من موقعها الاصلي:

 


التعليقات