تقرير: آخر معاقل الجمال
يمن فيوتشر - قنطرة – رحاب الدين الحواري- ترجمة خاصة الجمعة, 19 ديسمبر, 2025 - 02:03 مساءً

بعد أكثر من عقدٍ من الحرب، لا يزال الفنانون في اليمن يواصلون الإنتاج والإبداع. فمع انهيار مؤسسات الدولة وتوقّف الفعاليات الثقافية الرسمية، اضطر كثير من المثقفين إلى مغادرة البلاد. غير أن بعض المبادرات المعزولة صمدت، وتحولت مع مرور الوقت إلى رموزٍ للمقاومة الثقافية.

ويُعدّ نادي المقه الأدبي أحد أبرز هذه النماذج؛ إذ يضم في عضويته كُتّابًا وصحفيين وشعراء وفنانين آخرين من داخل البلاد ومن المنافي. ومن خلال ورش عمل شبه افتراضية ومنتديات إلكترونية، ينجح النادي في التواصل مع جيلٍ جديد من المبدعين الثقافيين، تشكّلت ملامحهم الفنية في ظل أجواء الحرب.

ويقول إبراهيم أبو طالب، أستاذ الأدب والنقد في جامعة الملك خالد بالمملكة العربية السعودية المجاورة، في حديثه إلى قنطرة:
«الكتابة وسيلة لتخليد الحياة ومقاومة الموت. فالكُتّاب يواصلون نشر أعمالهم من أجل صون الذاكرة والهوية في زمن الحرب».

 

الأربعاء موعد الأدب

تأسّس النادي عام 1990 في كلية الفلسفة بجامعة صنعاء على يد مجموعة من الكُتّاب اليمنيين الذين اختاروا له اسم «المقه». ففي مملكة سبأ، في عصور ما قبل الإسلام، كان المقه اسم الإله الأهم، وباعتباره إله القمر، اختار النادي كذلك هلالًا ملوّنًا شعارًا له، كما يوضح الكاتب محمد الغربي عمران، رئيس النادي.

وسرعان ما تحوّل نادي المقه إلى ملتقى للكتّاب، إذ كان يعقد لقاءاته الأسبوعية في المقاهي أو المكتبات أو على هامش الفعاليات الثقافية. كما نظّم مهرجان القصة القصيرة والرواية، الذي كان آنذاك يحظى بدعم وزارة الثقافة اليمنية، واستقطب كُتّابًا ونقّادًا من مختلف محافظات البلاد، ومن أرجاء العالم العربي.

ومنذ سيطرة جماعة الحوثيين المدعومة من إيران على السلطة عام 2014، وما تبع ذلك من اندلاع حربٍ أهلية بين الحوثيين والقوات الحكومية، جرى تعليق جميع الفعاليات الثقافية والأدبية. غير أن نادي المقه واصل نشاطه، واستمر في العمل من مكتبٍ صغير داخل مبنى جمعية البرلمانيين السابقين في صنعاء.

وبحسب محمد الغربي عمران، يواصل النادي حاليًا عقد لقاءاته كل يوم أربعاء، فيما تُنظَّم بعض هذه الاجتماعات أيضًا عبر تطبيق «زوم». وخلال هذه اللقاءات، يتم الاحتفاء بالإصدارات الجديدة، ولا سيما الأعمال الأدبية الأولى، ومناقشتها. وتهدف هذه الاجتماعات إلى أن تكون بمثابة تكريم وتقدير لكل من يسهم في إثراء الأدب اليمني والنهوض به.

ومن بين أحدث الأعمال التي نوقشت كتاب «الأدب اليمني الحديث» (2025) للكاتبة أمينة يوسف، حيث تقدّم فيه قراءة نقدية وتحليلية لخمس روايات يمنية صدرت خلال فترة الحرب، مبيّنة كيف تنعكس تجارب الألم والاغتراب على المستويين النفسي والاجتماعي في شخصيات السرد الروائي اليمني في زمن الحرب.

ويوثّق أعضاء النادي أنشطتهم عبر صفحاتهم الخاصة على موقع فيسبوك، بما يسهم في تشكيل مشهدٍ أدبي افتراضي تُتبادَل فيه التجارب، ويشكّل منصةً للكتّاب الشباب لعرض أعمالهم. وفي نوفمبر/تشرين الثاني، نظّم النادي قراءةً قصصية لعدد من الكُتّاب غير المنشورين، وذلك في إطار تكريم هذا العام للكاتب اليمني البارز أحمد قاسم العريقي.

 

رقابة مشدّدة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين

يصف إبراهيم أبو طالب نادي المقه بأنه «آخر معاقل الجمال في اليمن». ويوفّر النادي للكتّاب منصةً للتعبير عن آلامهم، رغم غياب الدعم من الدولة أو من مؤسسات المجتمع المدني.

ويشير زين العابدين الضبيبي، وهو شاعر يمني يقيم في القاهرة منذ أربعة أعوام، إلى أن المشهد الثقافي والوضع السياسي في اليمن مترابطان ارتباطًا وثيقًا، وكلاهما يشهد حالة تراجع. ويقول في حديثه إلى قنطرة: «لقد مُسحت الحرية عمليًا، ولا سيما في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين. فهناك، تخضع كل الأنشطة لرقابة صارمة».

ويؤكد الضبيبي أن المقاومة الثقافية باتت محصورة في مبادرات محدودة، مثل النادي الأدبي، مشيرًا إلى أن فعالية واحدة أسبوعيًا أو شهريًا «لا يمكن بأي حال مقارنتها بالحياة الثقافية اليمنية كما عرفناها قبل الحرب».

ويضيف قائلًا: «هناك عشرات الأسماء في المشهد الأدبي اليمني تفتقر إلى الدخل وفرص كسب العيش، ما اضطر كثيرين إلى التوقف عن الكتابة للصحف والمجلات الأدبية». وقد انعكس ذلك سلبًا على هذه المنصات الثقافية نفسها.

وفي المقابل، نشر العديد من المثقفين اليمنيين الذين اختاروا مغادرة البلاد أعمالهم في المنفى لدى دور نشر لبنانية أو مصرية، على سبيل المثال. وقد حصد بعضهم جوائز أدبية مرموقة، من بينهم الصحفي والروائي حميد الرقيمي، الذي نال جائزة كتارا للرواية العربية في أكتوبر/تشرين الأول عن روايته «عمى الذاكرة».

ولا يقتصر نشاط النادي على الكُتّاب اليمنيين فحسب، إذ تُوجَّه الدعوة أيضًا إلى كُتّاب من دول عربية أخرى للحديث عن أعمالهم. ومن بين هؤلاء الشاعرة المصرية فاطمة وحيدي، أول عضوة غير يمنية في النادي، والتي تشارك بانتظام عبر تطبيق «زوم» من القاهرة.

وتقول وحيدي، مؤلفة ديوان «قبل مشرق الحب بنبضة»، إن هذه النقاشات «تمنحني إحساسًا بقيمة ما أكتب، على الرغم من كل العوائق التي تحول دون حضوري الفعلي».

وتتابع قائلة: «الكتابة فعل مقاومة. ورغم كل أشكال القسوة والتحديات، يتمسّك المبدعون في اليمن بالأدب، ويواصلون إبقاء جذوة الفن متّقدة».


التعليقات