تحقيق: عالقون في المجهول..روسيا تُخفي آلاف المدنيين الأوكرانيين قسراً في سجون سرية
يمن فيوتشر - اريج- غيوم فينيتيتاي وتيتيانا برييماتشوك: الثلاثاء, 06 مايو, 2025 - 12:57 مساءً
تحقيق: عالقون في المجهول..روسيا تُخفي آلاف المدنيين الأوكرانيين قسراً في سجون سرية

منذ الغزو الروسي لأوكرانيا الذي بدأ في شباط/فبراير 2022، اختفى آلاف المدنيين الأوكرانيين قسرياً في الأراضي المحتلة؛ إذ نقلت القوات الروسية هؤلاء المعتقلين إلى أماكن احتجاز غير رسمية، حيث يُحتجزون خارج أي إطار قانوني ويتعرضون للتعذيب. ثم يُنقل بعضهم إلى سجون روسية، ويقبعون هناك من دون أي تهم، أو يقضون أحكاماً ملفقة بالسجن. تكشف منظمة فوربيدن ستوريز (قصص محظورة)، وشركاؤها النقاب عن هذا "النظام الغامض" الذي يهدف إلى تفكيك المجتمع الأوكراني.

 

النتائج الرئيسيّة:
إحصاء عدد المعتقلين أو السجناء الأوكرانيين أمر شبه مستحيل، وحتى الآن، لم تجرؤ سوى جهات محدودة على إعلان رقم دقيق. ومع ذلك، يُقدر اتحاد "فوربيدن ستوريز" (قصص محظورة) عدد المعتقلين الأوكرانيين لدى الروس بنحو 16 ألف شخص.

أُنشئت "غرف تعذيب" في الأراضي الأوكرانية المحتلة.

حددت "فوربيدن ستوريز" 29 سجناً روسياً يمارس فيها التعذيب بشكل ممنهج، من بين 186 مركز اعتقال يُحتجز فيها مدنيون أوكرانيون.

يكشف تحقيقنا أيضاً عن تفاصيل بشأن السلطات في تاغانروغ، المعروفة باسم "غوانتانامو روسيا".

"خمس دقائق من الضرب المتواصل، لم يمنحني الروس أي وقت حتى لأدير رأسي، لم يتفوه أحدهم بكلمة؛ كل ما فعلوه هو ضربي بشكل متواصل". عقب تعرضه للضرب مباشرة، لم يكن بمقدور فيتالي* استجماع قواه. ساعده زملاؤه السجناء في تنظيف وجهه الملطخ بالدماء. بعدها عاد الحراس، ووضعوا كيساً على رأس فيتالي، ثم قيدوه ووضعوه على الأرض.

بأحد المطاعم الجورجية في بلدة زابوريزهزهيا، يسترجع فيتالي تفاصيل ما مر به: "أوصلوا أسلاكاً بساقيّ، ثم صعقوني بالكهرباء، لا أعرف كم من الوقت استمر ذلك". أثناء مكوثنا بالمطعم، لم يطلب فيتالي أي شيء ليأكله أو يشربه. ورغم أن تفاصيل سجنه لا تزال عالقة في ذاكرته، فإنه يحتاج إلى استجماع شجاعته في كل مرة يحاول فيها الحديث عن هذه التفاصيل؛ فالآلام النفسية -إن لم تكن الجسدية أيضاً- لا تزال تؤثر في الميكانيكي السابق.

يتذكر فيتالي تفاصيل يوم احتجازه كلها، تحديداً يوم 27 تموز/يوليو 2022. جاءه الروس حينها في موقع عمله بمدينة ميليتوبول الأوكرانية المحتلة. ضربوه وسألوه عما إذا كان يعرف أي شخص من الجيش الأوكراني، ثم اقتادوه بعيداً. أُرسل فيتالي أولاً إلى موقع يُعرف باسم "المرائب" -وهو موقع صناعي شاغر يستخدمه المحتلون الروس في تعذيب الأوكرانيين- حيث تعرض للصعق بالكهرباء. نُقل بعدها إلى مركز احتجاز آخر، قضى فيه شهرين تقريباً في ظروف قاسية. حُرم هناك من الاتصال بأقاربه أو بمحاميه، رغم عدم توجيه أيّ تهم ضده. بعدها أُطلق سراحه مساء يوم 22 أيلول/سبتمبر 2022. ومنذ ذلك الحين، فرّ فيتالي من الأراضي الأوكرانية التي تحتلها روسيا.

مظاهرة داعمة للمدنيين السجناء في ساحة كونتراكتوفا، كييف - 12 نيسان/أبريل 2025 (جاليفر كراج - فرانس 24)


مثل فيتالي، اختفى قسرياً آلاف المدنيين بشكل غير قانوني منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط/فبراير 2022. يشرح ميخائيل ساففا، الخبير في مركز الحريات المدنية (CCL) -منظمة أوكرانية غير حكومية لحقوق الإنسان حائزة على جائزة نوبل- آلية ذلك قائلاً: "في كثير من الأحيان، يُطبّق على المعتقلين وضع العزلة القسرية؛ أي أنه يُلقى القبض عليهم بشكل غير رسمي، ويُزجون في أقبية أو حفر، ثم يُضربون ويُعذبون ويُجبرون على الإدلاء بشهاداتهم؛ بعدها يُعزلوا تماماً عن العالم الخارجي".

مثّل هؤلاء السجناء هاجساً لفيكتوريا روشتشينا، الصحفية الأوكرانية. اختفت روشتشينا في 3 آب/أغسطس 2023، عندما كانت تحقق في مراكز الاحتجاز السرية في المثلث الواقع بين ميليتوبول وإنيرهودار وبرديانسك؛ وهي ثلاث مدن تقع في الجزء المحتل من جنوب شرقي أوكرانيا. أصبحت روشتشينا نفسها فيما بعد ضحية هذا "النظام". سُجنت فيكتوريا لأكثر من عام؛ بما في ذلك لمدة ثمانية أشهر على الأقل في تاغانروغ، على الجانب الآخر من الحدود في الأراضي الروسية، قبل أن تعلن وزارة الدفاع الروسية وفاتها في تشرين الأول/أكتوبر 2024.

بدأت منظمة "فوربيدن ستوريز" (قصص محظورة)، التي تتمثل مهمتها في مواصلة عمل الصحفيين الذين قُتلوا أو سُجنوا أو تم إسكاتهم، تحقيقاً فور انتشار خبر وفاة الصحفية الأوكرانية. إلى جانب 12 شريكاً إعلامياً، أمضينا ثلاثة أشهر من التحقيق في ظروف الاحتجاز، والتعذيب الممنهج الذي تمارسه روسيا بحق المدنيين الأوكرانيين.

عادة يبدأ الاحتجاز غير القانوني بالطريقة نفسها التي حدثت لفيتالي. غالباً ما يكون الخاطفون مُلثمين يرتدون ملابس لا تحمل علامات مميزة، وتكون رشاشاتهم مُعلقة على أكتافهم. كانت التاسعة صباحاً تقريباً من يوم 24 آب/أغسطس 2022 -ذكرى يوم استقلال أوكرانيا- عندما رأى ماكسيم إيفانوف مجموعة من المسلحين الروس يصلون بسيارة رينو داستر، قبل أن يوقفوه أثناء توزيعه منشورات مؤيدة لأوكرانيا مع شريكته، تاتيانا بيك، في وسط مدينة ميليتوبول.

يتذكر عامل الحدائق، البالغ من العمر 28 عاماً، تفاصيل ما حدث قائلاً: "وضعوني على الأرض وفتشوا حقيبتي وهاتفي". اقتادوه مكبل اليدين إلى مركز الشرطة في شارع تشيرنيشيفسكوجو. لم يتراجع إيفانوف عن موقفه أثناء استجوابه من قبل عنصرين من الروس، يرتدون "قبعات وأقنعة". أخبرهم أنه ليس لديهم الحق في احتلال أوكرانيا، فعاقبوه بضرب أضلاعه ووجهه.

على الرغم من صعوبة إثبات ذلك، يعتقد السكان المحليون أن ضباط المخابرات الروسية متورطون في هذه الأعمال. سافا، من مركز الحريات المدنية، يُرجح تورط جهاز الأمن الفيدرالي الروسي في هذه الأعمال. ويضيف: "لكن ليس هذا هو الحال دائماً، فهم يخفون هويتهم، ويمكن أن يكون ذلك أيضاً نوعاً من التجسس العسكري المضاد".

وفي تقريرها الأخير، أشارت لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن أوكرانيا، التي أنشأها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، إلى تورط "القوات المسلحة الروسية"، وجهاز الأمن الفيدرالي الروسي في عمليات الاختطاف هذه. لكنّ عدم وضوح هوية الخاطفين على وجه الدقة، أعاق عمليات البحث التي تقوم بها العائلات.

لقد بذلت أولغا* كل ما في وسعها للعثور على أي أثر لزوجها أوليكساندر*، الذي قُبض عليه في كانون الأول/ديسمبر 2022 في قريتهم شمالي ميليتوبول. أولغا، البالغة من العمر 55 عاماً، قالت لفوربيدن ستوريز إنها ناشدت لجنة التحقيق في الاتحاد الروسي منذ اليوم الأول. وأضافت: "اتصلتُ بجهاز الأمن الفيدرالي الروسي مرتين، وقيل لي إنه لم يكن محتجزاً ولا توجد أي تهم ضده. راسلتُ وزارة الدفاع الروسية ثماني مرات، حتى ردت للمرة الأولى في آذار/مارس 2024".

 

"آلة تعذيب"

وبينما تحاول عائلات السجناء الوصول إلى أي معلومة بشأن مصيرهم، يواجه السجناء ظروفاً قاسية أثناء اعتقالهم. أكد فيتالي أن الأمر لم يقتصر على التعذيب فحسب، بل كانت الظروف المعيشية مزرية أيضاً. يصف فيتالي الزنزانة التي كان محتجزاً فيها، بأن مساحتها عشرة في خمسة أمتار مع رف معدني فارغ، وثلاثة أو أربعة أبواب خشبية قديمة، فوقها عدة بطانيات بالية وأريكة متهالكة. وقد وُضع دلو في الزاوية بوصفه مرحاضاً.

يقول فيتالي: "كنا ننام على هذه الأريكة وهذه الأبواب". لم يكن مركز الاحتجاز التالي في ميليتوبول أفضل كثيراً؛ كانت الزنزانة تقع في نصف قبو، مع حوض معطل من دون أي إمكانية للاستحمام.

أضف إلى ذلك جلسات التعذيب اليومية. يقول "بيترو"* الذي احتُجز لمدة شهر في "مرأب": "كان هناك روسيون مكلفون بالتعذيب على وجه التحديد، بمجرد تشغيلهم موسيقى صاخبة، كان ذلك يعني أنهم قد بدأوا بالتعذيب. وحتى مع وجود هذا الصخب، كنت أستطيع سماع توسلات زميلي في الزنزانة كي يتوقفوا".

أطلق سكان المناطق الأوكرانية المحتلة اسم "غرف التعذيب" على الزنازين المُستخدمة في ذلك.

مصدر أمني أوروبي قال لفوربيدن ستوريز إن التعذيب لا ينفصل عن الاستجواب، مضيفاً: "تلجأ أجهزة الأمن الفيدرالية الروسية (FSB) إلى العنف لانتزاع الاعترافات". وبعد الحصول على اعتراف تحت التعذيب، يُفرج عن بعض الأشخاص، في حين يُنقل آخرون إلى السجون الروسية النظامية، حيث يُزج بهم إلى المجهول، ويستحيل تقريباً تحديد مكانهم أو الاتصال بهم. وفي حالات نادرة، يُحاكم المدنيون الأوكرانيون بتهم ملفقة؛ مثل الإرهاب أو التخريب.

إن الزج بهؤلاء السجناء إلى معسكر اعتقال رسمي، أو إلى مركز احتجاز احتياطي معترف به من قبل موسكو، لا يعني عودتهم إلى الحياة الطبيعية، بل على العكس تماماً؛ الأمر الذي أكدته أليس جيل إدواردز، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، لـ "فوربيدن ستوريز": "روسيا تدير آلة تعذيب، إنها ممارسة مؤسسية داخل البلاد وخارجها".

حددت هيئة التنسيق الأوكرانية لمعاملة أسرى الحرب، ومركز التنسيق الأوكراني، 186 موقعاً يُحتجز فيها مدنيون وجنود أوكرانيون، سواء في روسيا أو في الأراضي الواقعة تحت الاحتلال الروسي. ومن بين هذه المواقع، حددت منظمة "فوربيدن ستوريز" وشركاؤها 29 موقعاً على الأقل يُمارس فيها التعذيب بشكل ممنهج. ويُعرف مركز الاحتجاز رقم 2 (أو SIZO-2) في تاغانروغ بأنه أحد أسوأ هذه المواقع. وفي نهاية كانون الأول/ديسمبر 2023، وصلت الصحفية فيكتوريا روشينا إلى هذا المكان.


خريطة لـ 29 مركز احتجاز تعرض فيها مدنيون أوكرانيون للتعذيب في روسيا والأراضي المحتلة في أوكرانيا، كما حددتها منظمة "فوربيدن ستوريز" (قصص محظورة) وشركاؤها. (المصدر: فوربيدن ستوريز)

 

"سنريكِ مُتع الحياة"

"لقد وصلت عاهرة أوكرانية جديدة وسنضاجعها". كانت هذه هي الكلمات التي استُقبلت بها إليزافيتا شيليك، في صباح يوم 6 شباط/فبراير 2023، يوم وصولها إلى تاغانروغ. في البداية، أجبرها الحراس على خلع ملابسها وتصويرها من كل الزوايا. وبعد تقييد يديها خلف ظهرها واصطحابها إلى الزنزانة، قال لها أحد الحراس: "استعدّي، سنريكِ كل متع الحياة".

تعرضت شيليك للضرب على جنبها وساقيها وظهرها وأماكن متفرقة في جسدها بعصا معدنية. تصف شيليك تلك اللحظات، وهي عضوة سابقة في كتيبة أيدار التابعة للجيش الأوكراني، وقد تركت الخدمة قبل شهرين من اعتقالها: "كنت في صدمة تامة".

وفق تحقيقنا، مرّ عبر مركز الاحتجاز سيزو2 في تاغانروغ -وهي بلدة روسية تقع في منطقة روستوف ويحدها بحر آزوف- منذ بداية الغزو الروسي، ما لا يقل عن ألف أوكراني، ما بين أسرى الحرب والمدنيين. ولسنوات عديدة، ظل مركز الاحتجاز هذا مكتظاً بالسجناء من القاصرين والنساء مع أطفالهن.

رغم واجهته الخارجية ذات اللون الأخضر الفاتح، فإن المبنى قاتم اللون بجدران باهتة، محاط بأسلاك شائكة. بعد غزوها لأوكرانيا، قامت دائرة السجون الفيدرالية الروسية بتحويل هذا المركز إلى ما يشبه "مقر تعذيب"، عبر توسعته لاستيعاب أعداد متزايدة من الأسرى.

جوليان بيليبي، جندي بحرية سابق، وقد احتُجز لمدة شهر في سيزو2، يقول إن تاغانروغ واحد من أسوأ المواقع التي مر عليها في حياته. خلال 30 شهراً من أسره، تنقل بيليبي بين ستة سجون مختلفة، لكنّه وصف سيزو2 بالأكثر وحشية بين السجون، قائلاً: "يأتي الحراس مرتين في اليوم ويضربونك بكل ما يستطيعون من قوة، لقد تعرضتُ للصعق بالكهرباء، وضُربت في كل أنحاء جسدي؛ على ذراعيّ وأضلعي، حتى أنني تعرضت للخنق".


مركز الاحتجاز المؤقت SIZO-2 في تاغانروغ، صورة التُقطت قبل احتجاز مدنيين أوكرانيين فيه. (المصدر: خدمة غوفسين الصحفية في روستوف، خرائط ياندكس)

 

"غوانتانامو روسيا"

يبقى ما يحدث داخل تاغانروغ ومصلحة السجون الروسية (FSIN) بمثابة "صندوق أسود" يصعب اختراقه. وفي مقابلة مع فوربيدن ستوريز، يقول مدافعان روسيان عن حقوق الإنسان، طلبا عدم الكشف عن هويتهما (لأنهما يواصلان العمل في روسيا): "إن جهاز الأمن الفيدرالي الروسي اتخذ إجراءات إضافية لإخفاء أو حذف إحصاءات السجون بعد الغزو، في محاولة للتعتيم على أي تحقيقات مستقبلية. نحن لا نعرف أي شيء عن الأشخاص الذين يعملون هناك أو المنشآت. كل شيء مخفي تماماً".

لكشف أسرار هذا الصندوق الأسود، استخدمت "فوربيدن ستوريز" وشركاؤها صور الأقمار الصناعية لرصد تحول تاغانروغ إلى "غوانتانامو روسيا"، بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.

أظهرت اللقطات التي حصل عليها الاتحاد تركيب أسطح معدنية جديدة لعدة مبانٍ في سيزو2، تزامناً مع وصول أول 89 أسيراً أوكرانياً من كتيبة آزوف، إلى ماريوبول في أيار/مايو 2022. واستمرت أعمال التوسعة حتى أوائل كانون الثاني/يناير 2023.

 

رغم أعمال الترميم، تشير تحقيقاتنا إلى وجود اكتظاظ شديد داخل السجن. فعلى سبيل المثال، تضاعفت كمية إمدادات البطاطا في المنشأة بأكثر من ثلاث مرات منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2021، ما يدل على زيادة ضخمة في عدد السجناء، ربما تصل إلى ثلاثة أضعاف! يقول جوليان بيليبي، جندي بحرية سابق: "زنزانتنا كانت مصممة لثلاثة أشخاص، لكنّنا كنا ستة!".

معلومات حصلت عليها "فوربيدن ستوريز" وشركاؤها، من مصدر في الاستخبارات الأوكرانية، تؤكد حجم الانتهاكات التي يتعرض لها الأوكرانيون المحتجزون في سجن "تاغانروغ". ووفقاً للمصدر، أُنشئت غرفة تعذيب في قبو مركز الاحتجاز المعروف باسم سيزو2.

ومن بين أبشع وسائل التعذيب المستخدمة هناك يأتي الصعق الكهربائي للجسم المبلّل، والاختناق "البطيء" باستخدام قناع غاز، والزج بالمعتقلين عرايا داخل قفص مع كلب، ناهيك عن الإقامة في زنازين شديدة البرودة حيث درجة الحرارة ما دون الصفر.

وبحسب المخابرات الأوكرانية، قُتل ما لا يقل عن 15 شخصاً جراء التعذيب والضرب المبرح حتى خريف 2024. شيليك، مقاتل أوكراني سابق في صفوف العيدر يقول عن التعذيب: "وُضعت مرتين على كرسي وصعقت بـ 380 فولتاً، مع تثبيت مشابك أسلاك الكهرباء بين أصابع قدمي المبلّلة".

جلادو "شيليك" كانوا دائماً مُلثمين يخفون هُوياتهم ويستخدمون ألقاباً مزيفة. ورغم ذلك، تمكن فريقنا من كشف هوية عدد من كبار المسؤولين في سجن سيزو2؛ ومن بين هؤلاء ألكسندر شتودا مدير مركز احتجاز تاغانروغ، وأندريه في ميخائيليتشينكو نائب المدير، وألكسندر كليويكوف، رئيس القسم الخاص في تاغانروغ.

من بين هؤلاء "الجلادين" أيضاً، وحدات خاصة تابعة لجهاز السجون الفيدرالي الروسي (FSIN). تحمل هذه الوحدات أسماء رمزية مثل: "غروزني"، و"القرش"، و"الوشق"، و"زحل"، وكانت تتنقّل بين عدة سجون بمهمّة واحدة واضحة؛ "تحطيم الأوكرانيين نفسياً وجسدياً". أحد أفراد القوات الروسية الخاصة سابقاً، الذي انشق في نهاية المطاف، يقول عن ذلك: "أخبرتنا قيادتنا صراحةً: افعلوا ما يحلو لكم". وأضاف: "كان العنف بلا هوادة، وبلا أي رقابة إطلاقاً".

ويكمل قائلاً: "في البداية، سمعنا أن وحدة خاصة ستتوجه إلى منطقة بريانسك، فقلت في نفسي: حسناً، ربما أُرسلوا للقتال، وكنت ضد هذا الشيء تماماً. لكن لاحقاً اكتشفت أن مهمتهم كانت تعذيب المعتقلين، ليس فقط العسكريين، لأن نسبتهم كانت قليلة جداً، بل الغالبية كانوا مدنيين: أناس تم اختطافهم، نُقلوا إلى الأراضي الروسية، وتعرضوا لمعاملة مروّعة".

ويحكي الجندي المنشق عن أقسى المشاهد العالقة في ذاكرته: "كان أحد سجناء آزوف يقف في ساحة العرض، وكان الرئيس يصرخ في وجهه. قال السجين: إذن، ماذا أفعل؟ أشنق نفسي؟ فأجابه الرئيس: أعط البائس حبلاً، دعه يشنق نفسه، ولا تستدعي الأطباء، لا تفتح الزنزانة، موت أيها العاهر فقط".

بالنسبة للمفرج عنهم، فإن ذكريات سجن سيزو2 لا تزال حاضرة ومؤلمة. ميخايلو تشابليا، الذي قضى 22 شهراً في سجن سيزو2، أظهر لنا يديه المليئتين بالندوب. كان الحراس يأمرونه بوضع يديه على الحائط، ثم يضربونه عليها، ما أدى إلى تشققات وجروح عميقة في راحتيه. يضيف ميخايلو: "كل من يخرج من تاغانروغ يحمل هذه الندوب".

رغم اليأس، يواصل أقارب المحتجزين المفقودين البحث عن أحبائهم؛ من بينهم أناستازيا جلوخوفسكا، البالغة من العمر 32 عاماً؛ وهي صحفية كانت تعمل في وكالة الأنباء الروسية ميليتوبول حتى احتلال القوات الروسية للمدينة الأوكرانية. اختُطفت في 20 آب/أغسطس 2023، ولم تتلقَّ عائلتها أي أخبار عنها لمدة عام ونصف إلى أن أحصاها الصليب الأحمر الروسي "أسيرة حرب" في 26 شباط/فبراير.

وقالت شقيقتها ديانا: "أخبرنا أحد المصادر أنها كانت في تاغانروغ حتى شهر آب/أغسطس". وبناءً على ذلك، كان من الممكن أن تكون قد التقت بروشينا. تحكي ديانا بمرارة عن وجع الغياب: الرسائل التي لم يُرد عليها، والشعور بالذنب لعدم القيام بما يكفي أو عدم وجود بعض الأدلة الرئيسية. لم نتلقَّ سوى وثيقة واحدة خلال عام ونصف من الأسر، وهذا أمر غير طبيعي".

تضيف: "لم ترتكب أختي أي شيء خاطئ، إنهم يحتجزونها لأنهم يريدون ذلك فقط".

لم يستجب الكرملين، وجهاز الأمن الفيدرالي، ودائرة السجون الفيدرالية، بالإضافة إلى العديد من كبار المسؤولين في تاغانروغ، إلى طلباتنا للتعليق على مخرجات هذا التحقيق.

 

* تم تغيير الأسماء الأولى بناء على طلب أصحابها


التعليقات