تحليل: بين طهران وتل أبيب.. رسائل نارية بلغة الحوثيين
يمن فيوتشر - محمد الحربي الأحد, 04 مايو, 2025 - 07:14 مساءً

جاءت الضربة الصاروخية التي أعلنت جماعة الحوثي تنفيذها باتجاه محيط مطار بن غوريون في إسرائيل لتكشف مجددًا عن نمط جديد في التعاطي مع التصعيد الإقليمي، خاصة بين طهران وتل أبيب عبر وسطاء إقليميين يتبادلون الرسائل على رقعة شطرنج مفعمة بالحذر ورمزية الرسائل غير المباشرة.

على السطح، قد تبدو الضربة محدودة الأثر ميدانيًا، لا سيما مع تقارير تحدثت عن سقوط الصاروخ في منطقة مفتوحة دون أضرار تُذكر. لكن القراءة المتأنية لتوقيت الضربة ومسرحها وظروفها الإقليمية تكشف ما هو أبعد من مجرد استعراض عضلات أو عمل عشوائي. فاستهداف مطار مدني يحمل رسالة مزدوجة: من جهة، يُظهر قدرة الحوثيين "ومن خلفهم طهران" على الوصول إلى العمق الإسرائيلي، ومن جهة أخرى "يتجنب إحداث خسائر بشرية كبيرة قد تفتح الباب أمام تصعيد إقليمي لا تتحمله إيران حاليًا ولا ترغب به إسرائيل في هذا التوقيت."

الضربة لم تأتِ في فراغ، بل سبقتها أحداث مفصلية، أبرزها التفجير في ميناء بندر عباس، والذي تُتَّهم إسرائيل بالوقوف خلفه، واستهداف القنصلية الإيرانية في دمشق. وهذا ما يجعل التوقيت مدروسًا بعناية، والرسالة أعمق من مجرد ردع مباشر. فهي تقول إن الرد الإيراني قد يأتي من أي ساحة، وليس من طهران بالضرورة.

استخدام الحوثيين لهذه الورقة العسكرية يؤكد مدى تعقيد أدوارهم في المنطقة. فهم لا يتحركون بشكل فردي، بل ضمن تنسيق تكتيكي محسوب مع أطراف المحور الذي تقوده إيران. ولهذا فإن تحركاتهم في الغالب ما تأتي ردًا على تطورات تمس طهران مباشرة، ولكن بأسلوب يترك مجالًا للمناورة السياسية ويتجنب الانزلاق نحو مواجهة شاملة.

من المتوقع أن تتعامل إسرائيل مع هذا الهجوم بحذر بالغ. على المدى القريب، قد تُحجم عن رد مباشر عنيف، تجنبًا لتوسيع رقعة المواجهة. لكن التهديد باقٍ، ومن المرجح أن تنظر تل أبيب نحو صنعاء باعتبارها هدفًا محتملاً لهجوم قادم، كما لمح وزير الدفاع الإسرائيلي. وفي الوقت ذاته، ستعمل إسرائيل ضمن استراتيجيتها الأمنية على تحييد التهديدات المستقبلية، سواء عبر عمليات استخباراتية دقيقة تستهدف البنية التحتية الإيرانية، أو من خلال تصعيد بحري يوجه رسائل مباشرة دون إشعال حرب مفتوحة.

تسعى إسرائيل إلى التوفيق بين موقفها العسكري الصارم وبين رسالتها السياسية التي تهدف إلى الحفاظ على صورة قوتها الرادعة. فرغم الحذر، لا يمكنها تجاهل هجمات تمس "خطوطها الحمراء"، وقد تختار الرد بشكل محدود ودقيق، مستفيدة من الدعم الغربي لتعزيز العزلة على إيران ووكلائها في المنطقة.

ما حدث يمثل جزءًا من سياسة "الضرب دون كسر"، أو ما يمكن تسميته بـ"التوازن الردعي المرن"، حيث تُختبَر الخطوط الحمراء باستمرار، وتُرسَل الإشارات العسكرية بحذر، دون الانزلاق نحو حرب شاملة. وهذا ما يجعل من الضربة الحوثية الأخيرة رسالة سياسية بامتياز، لا تُقاس بنتائجها الميدانية فقط، بل بقدرتها على إعادة ضبط إيقاع المواجهة في المنطقة.


التعليقات