تحليل: تحوُّل في الأدوار الاجتماعية في اليمن.. أزمة مفهوم الرجولة
يمن فيوتشر - المركز اليمني للسياسات-امال عبدالله: السبت, 04 مايو, 2024 - 04:08 مساءً
تحليل: تحوُّل في الأدوار الاجتماعية في اليمن.. أزمة مفهوم الرجولة

في حين تتشبث اليمن بهدنة هشة، لاتزال القضايا المُعلّقة التي تعزز مسارات العنف والضغوط الاجتماعية قائمة. تقول امال عبدالله أنه نتيجة للتحديات الاقتصادية والمتعلقة بالحرب، يواجه العديد من الرجال أزمة في مفهوم الرجولة، حيث يجدون صعوبة في تحقيق الأدوار التقليدية المتوقعة منهم، مثل كونهم معيلين وحماة. علاوة على ذلك، تضاعفت الآثار السلبية على المجتمع؛ حيث يستغل بعض الأطراف المتنازعة هذه الأزمة لتعزيز أجندتهم وجذب المزيد من الأفراد للمشاركة في الحرب.
تسهم التوقعات المجتمعية إلى حدٍّ كبير في بلد كاليمن -بوصفه بلداً متأثراً بشدة في الصراع طويل الأمد وبالتقاليد الثقافية- في تشكيل مفهوم الرجولة، وتمارس ضغوطًا هائلة على الرجال والفتيان للالتزام بالأدوار الاجتماعية التقليدية. فمنذ الطفولة المبكرة، ينغمس الفتيان في بيئة يُتوقع منهم فيها أن يشبُّوا ليصبحوا شخصيات قوية ومهيمنة، يجسِّدون سِمات المُعيل والحامي داخل أسرهم ومجتمعاتهم الأوسع. ولكن، بسبب المصاعب الاقتصادية، يجد العديد من الرجال أنفسهم يواجهون عقباتٍ عند محاولتهم العيش وفقًا للمفاهيم التقليدية للرجولة، مثل كونهم مُعيلين. وفي الوقت الراهن، وفي خضم الاضطرابات وعدم الاستقرار الناجم عن الحرب، يصبح دور الحُماة أكثر أهمية، حيث يُنظر إلى الرجال في كثيرٍ من الأحيان بوصفهم المدافعين ليس فقط عن أسرهم المباشرة، ولكن أيضًا عن مجتمعاتهم وقِيَمهم الثقافية وعن الأمة.
تخلق الأعراف الثقافية والضغوط الاقتصادية وواقع الصراع إطارًا متطلبًا ومقيدًا للادوار التقليدية للرجل في كثيرٍ من الأحيان؛ وبالتالي فإن الرجال اليمنيين غير القادرين على أداء الأدوار الذكورية التقليدية يمرُّون بأزمة في مفهوم الرجولة. وتشير «أزمة مفهوم الرجولة» هذه إلى التحوُّل في الأدوار الذكورية التقليدية التي تنشأ مع التغيُّرات الاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن الحرب: فمع فقدان الرجال لمصادر الدخل، أصبحت النساء هن المُعيل الرئيسي. وقد أدَّى هذا التحوُّل في الأدوار إلى شعور العديد من الرجال «بالاستياء والخجل من أنهم غير قادرين على الإعالة الآن». وبالتالي، يزداد هؤلاء الرجال تعلقًا بأشكال من الأدوار الاجتماعية التقليدية أكثر صرامة، ويسعَون إلى تعزيزها في محيطهم. ويؤدي ذلك إلى آثارٍ سلبية على المساواة بين الرجال و النساء، مثل معارضة مشاركة المرأة في القوى العاملة في الوظائف التي يهيمن عليها الرجال، وزيادة العنف القائم على النوع الاجتماعي.
في الواقع، مع غياب الرجال أو عدم قدرتهم على شغل الأدوار السابقة – بسبب البطالة، إصابات الحرب، الصدمات أو الضغوط النفسية الناتجة عن الحرب – اضطرَّت النساء إلى شغل الأدوار التي كان يشغلها الرجال تقليديًّا، وبالتالي لم يقتصر الأمر على تحدي الهياكل الأبوية فحسب، بل عزَّز أيضًا أزمة مفهوم الرجولة. والأهم من ذلك، أن الأزمة تفاقمت لأن بعض الأطراف المتصارعة لجأت -بشكلٍ ممنهجٍ- إلى استدعاء المشاعر القومية والهوية الثقافية والواجب الديني بهدف استغلال الأزمة لترويج الحرب والتجنيد لها. ويشمل ذلك الرجال من جميع الأعمار، مما يضمن التزام الجيل القادم أيضًا بالوضع الراهن.

 

تفاقم الأزمة بسبب عسكرة الرجولة
سلَّط تقرير صادر عن منظمة كير الدولية في عام 2016 الضوء على الاتجاه المتزايد لانضمام الشباب في اليمن إلى الجماعات المسلحة، مدفوعين إما بالحاجة إلى إعالة أسرهم ماليًّا، وإما بسبب المشاعر الوطنية للمساعدة في حل النزاع في البلاد. وفي الواقع، قدَّم الحوثيون حوافز مالية أو احتياجات أساسية مثل الغذاء مقابل الانضمام إلى جبهات القتال. ومع ذلك، لم يُنظر إلى مسألة التجنيد للحرب مقابل مزايا مالية من منظور النوع الاجتماعي. ومن خلال الإشارة إلى نقاط الضعف الاقتصادية والمعايير للأدوار التقليدية للرجل، لا تستغل الأطراف المتصارعة النزعة الوطنية فحسب، بل تستغل أيضًا مفاهيم الرجولة لتجنيد مزيدٍ من المقاتلين والحفاظ على سيطرتها على المجتمعات، مما يؤدي إلى تفاقم أزمة مفهوم الرجولة. وهكذا، نظرًا إلى محدودية فرص كسب الرزق، فإن كفاح الرجال وحاجتهم إلى إعالة أسرهم وتلبية التوقعات المجتمعية -«بأن يكونوا رجالاً»- قد أجبر الكثيرين على الانضمام إلى الحرب. وبالنسبة إلى الكثيرين، سيمكِّنهم ذلك من الوفاء بواجبهم المُتصوَّر كمُعيلين لأسرهم، وبالتالي تعزيز الأدوار الذكورية التقليدية في ظل ظروفٍ قاسية.
كما أدَّت عسكرة الخطاب إلى تكريس مفاهيم أكثر صرامة للرجولة في اليمن منذ بدء النزاع. ومن أجل التأثير في الرأي العام وحشد الدعم لقضاياهم، دأبت الأطراف المتصارعة، ولا سيما الحوثيون، على تصوير مقاتليهم بوصفهم أبطالًا وشهداء، والتأكيد على الواجب والشرف المرتبطَين بالدفاع عن البلاد. ومن خلال تأطير معركتهم على أنها دفاعٌ ضد العدوان الخارجي، يجسد الحوثيون الدور الذكوري بوصفهم حماة لليمن. وهذه الرواية مقنعة للعديد من الرجال اليمنيين الذين يستوعبون دور الحامي كمكونٍ أساسي لهويتهم الذكورية. بالنسبة إلى كثيرٍ من الناس، أن تكون رجلًا الآن يعني أن تكون مقاتلًا، وأن تدافع عن بلدك، وأن تكون جزءًا من الحل، حتى لو كان ذلك يعني الموت في جبهات القتال. وقد صرح رجل يمني من إب في مقابلة مع المركز اليمني للسياسات: «لكي تكون رجلًا يجب أن تكون مقاتلًا وتحمل بندقية، لا يهم كم عمرك». وقال إنه عندما كان يهمُّ بمغادرة اليمن بعد اندلاع الصراع، أخبره أحد المقاتلين مع الحوثيين أنه ليس رجلًا لأنه يغادر البلاد بدلًا من الانضمام إلى الحرب.
ولا تقتصر عسكرة الرجولة على سنٍّ معينة؛ فقد جُنِّد فتيان في سن العاشرة وقُتلوا في القتال. وعلى الرغم من أن جميع الأطراف المتنازعة تقوم بتجنيد الأطفال، فإن المعسكرات الصيفية التي أنشأها الحوثيون في اليمن تساهم بشكلٍ كبيرٍ في عسكرة الرجولة على المدى الطويل من خلال تدريب الصبية الصغار على نمط عدواني من الرجولة وتطبيع العنف منذ سن مبكرة. ويمكن أن يؤدي تلقين الأطفال وإشراكهم في الأنشطة العسكرية إلى خلق انقساماتٍ داخل المجتمعات والأسر. كما أنه يتحدى الأدوار التقليدية للأسرة؛ حيث يتم إبعاد الأطفال عن توجيه آبائهم وكبار السن في المجتمع، ودفعهم نحو أدوارٍ يحددها الصراع. وعلاوة على ذلك، فإن آثار هذه العسكرة طويلة الأمد، ويمكن أن تغيِّر النسيج الاجتماعي. ومن المرجح أن يؤدي إلتحاق جيل من الفتيان في هذه المخيمات إلى إدامة المفاهيم العسكرية للرجولة، مما يؤثر على الأعراف المجتمعية المستقبلية، وربما يؤدي إلى دائرة من العنف والصراع.

 

اجتياز التحوُّل: نحو مفهوم متوازن للرجولة
ربما يكون التحوُّل في أدوار الجنسَين قد خلق أزمة في مفهوم الرجولة، لكنه في الوقت نفسه يمثِّل فرصة لدعم ظهور أدوار اجتماعية، لكل من الرجل والمرأة، أكثر شمولًا للخروج من الأزمة، خاصة في حال تحقيق السلام. ويجب على المنظمات الدولية وغير الحكومية التي تهدف إلى معالجة هذه القضايا أن تأخذ بعين الاعتبار الارتباط بين تمكين المرأة وأزمة مفهوم الرجولة. إن التركيز على تمكين المرأة، رغم أهميته، يغفل -عن غير قصدٍ- الآثار الاجتماعية الأوسع نطاقًا لأزمة مفهوم الرجولة، ويشمل ذلك تأثيرها على المرأة واستمرار العنف القائم على النوع الاجتماعي. وبالتالي، فإن البرامج التي تهدف إلى المساعدة على كسب العيش مثل التدريب الوظيفي وفرص العمل ودعم ريادة الأعمال والوصول إلى الأسواق، يمكن أن توفر للرجال طريقًا لاستعادة الشعور بالهدف الذي يتماشى مع شكلٍ أكثر سلمًا وتوازنًا للرجولة، بدلًا من الانضمام إلى جبهات القتال. كما يمكن أن تساعد هذه البرامج في التخفيف من الضغوط الاقتصادية التي تساهم في شعور العديد من الرجال بعدم الكفاءة، مما يخفف من آثار الأزمة على المجتمع بشكل أوسع.
ومع ذلك، ومع استمرار انضمام العديد من الرجال إلى الخطوط الأمامية للصراع، تستمر دائرة العنف. ولهذا السبب، يجب تطوير آليات حماية لوقف تجنيد الأطفال في المدارس. وقد تحقق ذلك في مناطق مثل حضرموت حيث فرضت المجتمعات المحلية حظرًا كاملًا على السياسة في المدارس لتحييد السياسة داخل قطاع التعليم. وبالتالي، ستكون حملات التوعية المكثَّفة التي تستهدف الأسر هي الطريقة الأكثر فعالية؛ حيث أن ذلك من شأنه أن يوقف تدفُّق المجندين من داخل الأسر، بدلًا من محاولة تطبيق تدابير حماية الأطفال في ظل غياب سيادة القانون. علاوة على ذلك، مع معاناة العديد من النساء من ارتفاع معدلات العنف القائم على النوع الاجتماعي، والذي رافق أيضًا هذا التحوُّل في أدوار الجنسَين، يمكن تحقيق حماية المرأة اليمنية من خلال زيادة عدد الضابطات في أقسام الشرطة، لخلق بيئة أكثر أمانًا للنساء للإبلاغ عن حوادث العنف القائم على النوع الاجتماعي.
وأخيرًا، فإن المبادرات المجتمعية ضرورية لمواجهة حالات العنف القائم على النوع الاجتماعي والحد منها. ومن خلال اعتماد مثل هذه التدابير، فإننا لا نضمن الحماية المباشرة للنساء فحسب،  بل نضع أيضًا الأساس للاستقرار الدائم في اليمن – وفي نهاية المطاف، أسس للسلام والمساواة بين الجنسين للأجيال القادمة.


التعليقات