اطار: خامنئي في قلب العاصفة.. أربعون عاما من الحكم المطلق
يمن فيوتشر - رويترز: الثلاثاء, 17 يونيو, 2025 - 06:34 مساءً
اطار: خامنئي في قلب العاصفة.. أربعون عاما من الحكم المطلق

أمضى آية الله علي خامنئي ما يقرب من أربعة عقود كزعيم أعلى لإيران في بناء قوة إقليمية شيعية تنافس الدول السنية في الخليج وتعادي الولايات المتحدة وإسرائيل بشدة، بينما يسحق الاضطرابات المتكررة في الداخل.
قوبل خامنئي بالرفض في البداية باعتباره ضعيفا وخليفة غير محتمل لمؤسس الجمهورية الإسلامية الراحل، آية الله روح الله الخميني صاحب الحضور الطاغي، إلا أنه أحكم قبضته بثبات ليصبح صانع القرار في إيران بلا منازع.
لم يكن خامنئي نال لقب آية الله في ذلك الوقت، ومنذ ذلك الحين عاش في ظل معلمه الخميني. وأسس جهازا أمنيا هائلا لبسط سلطته في سعيه لفرض سلطته الدينية.
وهيمن على الرؤساء المنتخبين المتعاقبين للبلاد، وروج للتكنولوجيا النووية التي أثارت قلق المنطقة المحيطة.
لكن منذ أن هاجمت حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) المدعومة من طهران إسرائيل في السابع من أكتوبر تشرين الأول 2023، بدأ نفوذ خامنئي الإقليمي يضعف مع توجيه إسرائيل ضربات موجعة للجماعات المتحالفة مع طهران في المنطقة، من حماس في غزة إلى حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن وفصائل شيعية في العراق. كما أطيح بالرئيس السوري بشار الأسد، حليف إيران الوثيق، في نهاية العام الماضي.


تنازلات خامنئي تبقيه في السلطة
يحكم خامنئي (86 عاما) إيران منذ عام 1989، ويتمتع بسلطة مطلقة على الحكومة والجيش والقضاء. ورغم أن المسؤولين المنتخبين يديرون الشؤون اليومية، لا تمضي البلاد في أي سياسة رئيسية ولا سيما تلك المتعلقة بالولايات المتحدة بدون موافقته الصريحة.
ويمزج خامنئي في أسلوبه للقيادة بين الصرامة الأيديولوجية والنهج العملي الاستراتيجي. ويبدي تشككا كبيرا في الغرب، وخاصة في الولايات المتحدة، التي يتهمها بالسعي إلى تغيير النظام لكنه يبدي استعدادا للتنازل عندما يكون مصير الجمهورية الإسلامية على المحك.
ويسمح مفهوم "المرونة البطولية"، الذي تحدث عنه خامنئي لأول مرة في عام 2013، بتنازلات محسوبة بعناية لتحقيق أهدافه في محاكاة لقرار الخميني عام 1988 قبول وقف إطلاق النار في الحرب مع العراق بعد ثماني سنوات من اندلاعها.
كان تأييد خامنئي الحذر للاتفاق النووي لعام 2015 الذي أبرمته إيران مع ست قوى عالمية لحظة أخرى من هذا القبيل لأنه رأى أن تخفيف العقوبات ضروري لاستقرار الاقتصاد وتعزيز قبضته على السلطة.
وواجه المعضلة نفسها في مارس آذار عندما قال ترامب إنه بعث برسالة إلى خامنئي لمناقشة اتفاق نووي جديد، وهدد الرئيس الأمريكي بشن عمل عسكري إذا فشلت الدبلوماسية في كبح طموحات طهران النووية.
وتقول إيران إن برنامجها مخصص للأغراض السلمية فقط، لكن الغرب يشتبه في أنها تطور أسلحة سرا فيما تعتبره إسرائيل تهديدا وجوديا لها.
وانسحب ترامب في عام 2018 خلال ولايته الأولى من اتفاق عام 2015، وأعاد فرض عقوبات صارمة على إيران التي ردت بانتهاك تدريجي لكل القيود على برنامجها النووي المتفق عليها.
وكان رد الزعيم الأعلى لاذعا كالعادة وقال "العداء من الولايات المتحدة وإسرائيل قائم منذ فترة طويلة. تهددان بمهاجمتنا، وهو أمر نعتقد أنه غير مرجح تماما، لكن إذا سببتا أي أذى، فستتلقيان بالتأكيد ضربة قوية بالمثل".
وأضاف "إذا كانتا تفكران في إثارة الفتنة داخل البلاد كما فعلتا في السنوات الماضية، فسيتعامل معهما الشعب الإيراني بنفسه".
وبصفته صاحب الكلمة الفصل في نظام إيران المعقد القائم على حكم رجال الدين والديمقراطية المحدودة، سعى خامنئي منذ فترة طويلة إلى ضمان ألا يكون لأي جماعة، حتى من بين أقرب حلفائه، ما يكفي من النفوذ لتحديه هو أو موقفه المناهض للولايات المتحدة.


خامنئي بنى هيكلا أمنيا مواليا له
نظرا لافتقاره إلى مؤهلات الخميني الدينية، لجأ خامنئي مرارا إلى الهيكل الأمني المعقد في البلاد المؤلف من الحرس الثوري المتشدد وقوة الباسيج شبه عسكرية الدينية التي تضم مئات الآلاف من المتطوعين، لإخماد أي معارضة.
وتعتمد سلطة خامنئي كثيرا على الإمبراطورية المالية شبه الحكومية المعروفة باسم (ستاد)، التي يبلغ حجم أعمالها عشرات المليارات من الدولارات وتخضع لسيطرة خامنئي مباشرة ونمت بشكل كبير خلال فترة حكمه.
وتم استثمار مليارات الدولارات في الحرس الثوري لعقود للمساعدة في تمكين الفصائل الشيعية في العراق ولبنان واليمن ودعم الأسد في سوريا.
وتمكن الحرس الثوري من سحق الاحتجاجات التي تفجرت بعد إعادة انتخاب محمود أحمدي نجاد رئيسا لإيران عام 2009 وسط اتهامات بتزوير الانتخابات. وكان خامنئي قد أيّد انتخابه قبل أن يتحداه أحمدي نجاد بطموح جامح.
وفي عام 2022، لم يتهاون خامنئي في الاعتقالات وأحيانا تنفيذ أحكام الإعدام بحق متظاهرين غاضبين بعد وفاة الشابة الإيرانية الكردية مهسا أميني.
ويرسم باحثون خارج إيران صورة لخامنئي تظهره رجلا صاحب فكر صارم متحفظا يخشى الخيانة، وهو قلق أججته محاولة اغتياله في يونيو حزيران 1981 التي أدت إلى إصابته بشلل في ذراعه اليمنى.
ووفقا لسيرته الذاتية الرسمية، تعرض خامنئي نفسه لتعذيب شديد في عام 1963 عندما كان عمره 24 عاما وقضى أول فترة من عدة عقوبات سجن بسبب أنشطته السياسية في ظل حكم الشاه.
وبعد الثورة الإسلامية عندما تولى منصب نائب وزير الدفاع، صار خامنئي مقربا من الحرس الثوري خلال الحرب مع العراق (1980-1988) التي قتل خلالها مليون شخص من البلدين.
وفاز خامنئي برئاسة الجمهورية الإسلامية بدعم من الخميني، وكان اختياره خليفة له مفاجئا نظرا لافتقاره إلى شعبية الخميني ومؤهلاته الدينية الفائقة.
وقال كريم سجادبور من مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي إن "صدفة تاريخية" حولت "رئيسا ضعيفا إلى زعيم أعلى ضعيف في البداية ثم إلى واحد من أقوى خمس شخصيات إيرانية في المئة عام الأخيرة".
ومنذ 18 شهرا فقط بدأ يضعف "محور المقاومة" الذي أسسه خامنئي لمواجهة نفوذ إسرائيل والولايات المتحدة في الشرق الأوسط.


التعليقات