تفتح أعلى محكمة في الأمم المتحدة جلسات استماعٍ تاريخية، الاثنين، للبحث عن قانونية احتلال إسرائيل لمدة 57 عامًا للأراضي المطالب بها لإقامة دولة فلسطينية، مما يعيد القضاة الدوليين الـ15 إلى قلب الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الذي استمر عقودًا.
ومن المقرر عقد ستة أيام من الجلسات في محكمة العدل الدولية، وخلالها سيُشارك عدد غير مسبوق من الدول، في حين تواصل إسرائيل هجومها المدمر على غزة.
وعلى الرغم من أن القضية تأتي في سياق حرب إسرائيل وحماس، إلا أن التركيز يتم على احتلال إسرائيل المفتوح للضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية.
وأكد الفريق القانوني الفلسطيني للصحفيين يوم الأربعاء أن الممثلين الفلسطينيين، الذين سيتحدثون في المرتبة الأولى يوم الاثنين، سيجادلون بأن الاحتلال الإسرائيلي غير قانوني؛ لأنه انتهك ثلاثة مبادئ رئيسية في القانون الدولي. إذ يقولون إن إسرائيل انتهكت حظر الاستيلاء على الأراضي بضم أجزاء كبيرة من الأراضي المحتلة، كما انتهكت حق الفلسطينيين في تقرير المصير الذاتي، وفرضت نظامًا للتمييز والفصل العنصري.
وقال عمر عوض الله، رئيس قسم المنظمات الأممية في وزارة الخارجية الفلسطينية: "نريد أن نسمع كلماتٍ جديدة من المحكمة. لقد اضطروا للنظر في كلمة الإبادة الجماعية في قضية جنوب أفريقيا"، وأشار إلى قضية منفصلة مطروحة أمام المحكمة، "الآن نريدهم أن ينظروا في فكرة الفصل العنصري".
وقال عوض الله إن رأيًا استشاريًا من المحكمة "سيمنحنا العديد من الأدوات، باستخدام وسائل وأدوات القانون الدولي السلمي، لمواجهة مخالفة الاحتلال".
ومن المحتمل أن تستغرق المحكمة أشهرًا لإصدار حكمها. لكن الخبراء يقولون إن القرار، على الرغم من عدم ربطه قانونيًا، قد يؤثر بشكل كبير على القوانين الدولية، والمساعدات لإسرائيل، والرأي العام.
وقال (يوفال شاني)، أستاذ القانون في جامعة العبرية وزميل كبير في معهد الديمقراطية في إسرائيل: "ستضع القضية أمام المحكمة سلسلة طويلة من الاتهامات والادعاءات والشكاوى التي قد تكون محرجة ومزعجة لإسرائيل، نظرًا للحرب والبيئة الدولية المتقطعة بالفعل".
ولم يتم جدولة مشاركة إسرائيل خلال الجلسات، لكن بإمكانها أن تقدم بيانًا مكتوبًا. ويقول شاني إنه من المرجح أن تبرر إسرائيل الاحتلال المستمر بناءً على أسباب أمنية، خاصة في ظل غياب اتفاق سلام.
كما أنه من المحتمل أن تشير إلى الهجوم المرتكب في 7 أكتوبر/تشرين الأول، حيث قام مسلحون بقيادة حماس بقتل 1200 شخص في جنوب إسرائيل وأسروا 250 رهينة في القطاع.
يقول شاني: "هناك رواية تقول إن الأراضي التي تنسحب منها إسرائيل، مثل غزة، يمكن أن تتحول بالفعل إلى مخاطر أمنية خطيرة جدًا. وإذا كان هناك أي شيء، فإن السابع من أكتوبر/ تشرين الأول قد أكد المبرر الأمني التقليدي الإسرائيلي لتبرير الاحتلال الذي لا ينتهي."
ومع ذلك، يقول الفلسطينيون والمنظمات الرائدة لحقوق الإنسان إن الاحتلال يتجاوز التدابير الدفاعية بكثير. وإنه تحول إلى نظام الفصل العنصري، مدعومًا ببناء المستوطنات على الأراضي المحتلة، والذي يمنح الفلسطينيين وضعًا من الدرجة الثانية، وهو مصمم للحفاظ على هيمنة يهودية من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط. لذا ترفض إسرائيل أي اتهام بالفصل العنصري.
وتصل القضية إلى المحكمة بعد أن صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية واسعة في ديسمبر/ كانون الأول 2022 لطلب رأي استشاري غير ملزم من المحكمة العالمية بشأن واحدة من أطول وأكثر النزاعات تعقيدًا في العالم. وقد تم الترويج لهذا الطلب من قبل الفلسطينيين ورفضه بشدة من قبل إسرائيل. حيث امتنعت 50 دولة عن التصويت.
وفي بيانٍ مكتوب قبل التصويت، وصف سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة (جيلاد إردان) هذا التدبير بأنه "مشين"، وأن الأمم المتحدة "مستنزفة أخلاقيًا ومتحزبة"، وأي قرار محتمل من المحكمة "غير شرعي تمامًا".
وبعد تقديم الفلسطينيين لحُججهم، ستتحدث 51 دولة وثلاث منظمات - جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والاتحاد الأفريقي - أمام لجنة القضاة في قاعة العدل الكبيرة.
واحتلت إسرائيل الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة في حرب الشرق الأوسط عام 1967، ومنذ ذلك الحين يسعى الفلسطينيون للحصول على جميع هذه المناطق لإقامة دولة مستقلة. وتعتبر إسرائيل الضفة الغربية أراضي متنازع عليها، وينبغي أن يتم تحديد مستقبلها في المفاوضات.
كما تم بناء 146 مستوطنة، وفقًا لمجموعة المراقبة "Peace Now"، وتضم أكثر من 500 ألف مستوطن يهودي. وتشير مجموعة مؤيدة للمستوطنين إلى أن سكان المستوطنات في الضفة الغربية قد ازدادوا بنسبة تزيد عن 15% خلال السنوات الخمس الماضية.
وضمت إسرائيل القدس الشرقية وتعتبر المدينة بأكملها عاصمتها. ويعيش ما يزيد عن 200 ألف إسرائيلي في المستوطنات المبنية في القدس الشرقية والتي تعتبرها إسرائيل أحياء في عاصمتها. ويواجه الفلسطينيون المقيمون في المدينة التمييز المنهجي، مما يجعل من الصعب أمامهم بناء منازل جديدة أو توسيع المنازل الحالية.
ويعتبر المجتمع الدولي هذه المستوطنات غير قانونية. ولم يتم الاعتراف دوليًا بضم إسرائيل للقدس الشرقية، التي تضم أهم المواقع المقدسة في المدينة.
وليست هذه هي المرة الأولى التي يُطلب فيها من المحكمة أن تقدم رأيًا استشاريًا بشأن سياسات إسرائيل أو تعلن أن الاحتلال غير قانوني.
عام 2004، أعلنت المحكمة أن الجدار الفاصل الذي قامت إسرائيل ببنائهِ في القدس الشرقية وأجزاء من الضفة الغربية "مخالف للقانون الدولي"، ودعت إسرائيل إلى وقف البناء فورًا، لكن إسرائيل تجاهلت القرار.
وفي قضية عام 1971 التي من المرجح أن يستند إليها الفريق القانوني الفلسطيني، أصدرت المحكمة رأيًا استشاريًا عام 1971 يقضي بأن الاحتلال الجنوب أفريقي لناميبيا غير قانوني، وأنه يجب على جنوب أفريقيا أن تنسحب فورًا من البلاد.
وأيضًا، في وقت متأخر من الشهر الماضي، أمرت المحكمة إسرائيل ببذل كل ما في وسعها لمنع الموت والدمار وأي أعمال إبادة جماعية في حملتها في غزة. وقامت محكمة جنوب أفريقيا برفع القضية متهمة إسرائيل بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية، وهو اتهام نفت إسرائيل صحته.
ومن المقرر أن يتحدث ممثلو جنوب أفريقيا الثلاثاء. وقام الحزب الحاكم في البلاد، المؤتمر الوطني الأفريقي، بمقارنة سياسات إسرائيل في غزة والضفة الغربية بنظام الفصل العنصري لحكم الأقلية البيضاء في جنوب أفريقيا، الذي كان يقيد معظم السود في "أوطانهم"، قبيل انتهائه عام 1994.