تحليل: كيف مهّد تفكّك وكلاء إيران في المنطقة الطريق لهجوم إسرائيل
يمن فيوتشر - الجارديان- ترجمة خاصة الإثنين, 16 يونيو, 2025 - 01:51 مساءً
تحليل: كيف مهّد تفكّك وكلاء إيران في المنطقة الطريق لهجوم إسرائيل

الهجوم الإسرائيلي على إيران هو الحلقة الأحدث في سلسلة من الأحداث التي بدأت بالهجوم الذي شنّته حركة حماس من غزة على إسرائيل في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023. وقد أدّت هذه التطورات، تباعًا، إلى إضعاف طهران، وفي الحدّ الأدنى من الناحية العسكرية، إلى تعزيز موقع إسرائيل. ولولا كلّ واحدة من هذه المراحل، لكان من الصعب تخيّل كيف أمكن لإسرائيل تنفيذ هجومها المباشر ضد إيران يوم الجمعة الماضي.

وكانت البداية بالهجوم الإسرائيلي على غزة، الذي أودى حتى الآن بحياة عشرات الآلاف من الفلسطينيين، إلا أنه، وخلال أسابيع فقط، تمكّن من إضعاف القدرات العسكرية لحركة حماس بدرجة جعلتها لم تعد تمثّل تهديدًا فعليًا وراهنًا للمواطنين الإسرائيليين.

ونظرًا لأن حماس كانت جزءًا مما يُعرف بـ”محور المقاومة” —وهو تحالف من جماعات مشابهة في أنحاء الشرق الأوسط رعته طهران خلال العقد الأخير لتوسيع نفوذها الإقليمي وردع إسرائيل عن مهاجمة برنامجها النووي— فقد كان لهذا التطور أبعاد إقليمية بالغة الأهمية.

ثم، في أبريل/ نيسان من العام الماضي، قصفت إسرائيل مجمّع السفارة الإيرانية في دمشق، ما أسفر عن مقتل سبعة أشخاص. وردًا على ذلك، شنّت إيران هجومًا مباشرًا على إسرائيل للمرة الأولى، عبر وابل من الطائرات المُسيّرة التي لم تُحقق نتائج تُذكر. وبذلك، خرج الصراع المستمر منذ سنوات بين إيران وإسرائيل —والذي كان يُدار عبر وكلاء واغتيالات وضربات في ساحات بعيدة عن الأراضي الإسرائيلية— إلى العلن.

وبحلول الخريف، وبعد أن تم تحييد حماس إلى حدّ كبير، تمكّنت إسرائيل من توجيه تركيزها نحو حزب الله، الفصيل المدعوم من إيران والمتمركز في لبنان، والذي يُعدّ القوة الأشد والأكثر فاعلية ضمن مكونات محور المقاومة.

وفي سبتمبر/ أيلول، نجحت إسرائيل في القضاء على كامل الصفّ القيادي لحزب الله، بالإضافة إلى تدمير معظم مخزونه الصاروخي المُرعب، واقتحمت معقله الرئيسي في جنوب لبنان من دون أن تواجه مقاومة تُذكر. حتى إن بعض أنصار الحزب اعترفوا بتعرّضه لهزيمة قاسية.

ومرة أخرى، ردّت إيران بشنّ هجوم جوي غير فعّال ضد إسرائيل، التي قابلته بغارات جوية دمّرت جزءًا كبيرًا من منظومة الدفاع الجوي الإيرانية، مما مهّد الطريق للهجوم الأوسع الذي وقع يوم الجمعة.

وبالقدر نفسه من الأهمية، أدّى الضعف المفاجئ لحزب الله إلى عجزه عن الدفاع عن نظام بشار الأسد في سوريا —الحليف الإقليمي الحيوي الآخر لإيران— عندما شنّت فصائل المعارضة هجومًا هناك. وسقوط الأسد في ديسمبر/ كانون الأول أنهى عقودًا من العلاقات الوثيقة بين طهران ودمشق، موجّهًا ضربة جديدة لمحور المقاومة المتداعي، وكاشفًا الوكلاء الإيرانيين في سوريا، ومُسهّلًا أمام الطيران الحربي الإسرائيلي الوصول إلى أهداف ضعيفة داخل الأراضي الإيرانية.

ومع اقتناع الميليشيات المدعومة من إيران في سوريا والعراق بأن تنفيذ التهديدات الخطابية ضد إسرائيل سيكون خيارًا كارثيًا، لم يبقَ من أعضاء محور المقاومة المنخرطين فعليًا في القتال سوى جماعة الحوثي في اليمن. ورغم مضايقتها لحركة الملاحة في البحر الأحمر، فإن الصواريخ الباليستية التي أطلقتها على تل أبيب لم تُلحِق ضررًا استراتيجيًا يُذكر.

ومع حلول أوائل الربيع من هذا العام، بدا أن قرار المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، بالاعتماد على الوكلاء لضمان أمن إيران، كان خطأً استراتيجيًا فادحًا، فيما استعد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو —الساعي لاغتنام ما قد يكون نافذة فرصة مؤقتة— لإطلاق الهجوم الكبير الذي طالما طمح إليه.

وقد تم تجاوز المهلة المحددة لشهر أبريل/ نيسان، لكنها لم تكن مهلة عرضية، بل حدّدها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي منح طهران 60 يومًا فقط للتوصل إلى اتفاق جديد بشأن برنامجها النووي، وهو البرنامج الذي تزعم إسرائيل أنه كان على وشك إنتاج سلاح نووي. وقد انتهت هذه المهلة الأسبوع الماضي.

وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يوم الجمعة، أنه يأمل أن تُمهّد العملية العسكرية الإسرائيلية المتواصلة داخل إيران “الطريق أمام الشعب الإيراني لنيل حريته”.

ورغم أن إسرائيل لا تسعى بالضرورة لإعادة عقارب الساعة إلى ما قبل ثورة عام 1979، حين كانت إيران حليفًا وثيقًا لكل من إسرائيل والولايات المتحدة، إلا أن طبيعة الأهداف التي اختارها المخططون العسكريون الإسرائيليون قد تُسفر عمليًا عن تفكيك النظام الذي يحكم البلاد منذ ذلك الحدث المفصلي.

ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن البنية السياسية الإيرانية ما تزال ترتكز على جيل من الرجال الذين بدأوا مسيرتهم في أعقاب سقوط الشاه، أو حتى في فترات سابقة.

وقد شملت أولى الخسائر البشرية، يوم الجمعة، عددًا من كبار الضباط الذين يُعدّون من أوائل المنتسبين إلى الحرس الثوري الإيراني، وهو الجهاز الذي تأسس عام 1980 لحماية سلطة رجال الدين الراديكاليين، ثم تحوّل إلى القلب الأيديولوجي النابض للمشروع الثوري. وكان عدد منهم من المحاربين القدامى في الحرب الإيرانية–العراقية (1980–1988)، التي يعتبرها كثير من المؤرخين المحطة التي صاغت ملامح النظام الإيراني الحالي.

وقُتل في الموجة الأولى من الضربات ما لا يقل عن عالم نووي واحد، كان أيضًا من قدامى الحرس الثوري الإيراني. كما كان علي شمخاني، المستشار البارز للمرشد الأعلى علي خامنئي، من بين المستهدفين، وهو الذي بدأ نشاطه كإسلامي سرّي في سبعينيات القرن الماضي، قبل أن يتقلّد سلسلة من المناصب ذات الأهمية المتصاعدة. أما خامنئي نفسه، فتولّى السلطة خلفًا للمرشد المؤسس، آية الله الخميني، عام 1989، لكنه بدأ مسيرته كناشط إسلامي في أواخر الستينيات.

ورغم أنه من غير المرجّح على الإطلاق أن تعود إيران، بعد انقشاع غبار هذه الحرب، إلى موقف مؤيد لإسرائيل أو للولايات المتحدة، إلا أن المتوقع بشدة أن النفوذ الذي كان يتمتع به أولئك الرجال الذين أطاحوا بالشاه وقادوا النظام الثوري لعقود لاحقة، سيتعرّض لضربة قاسية، وقد تكون قاتلة.

https://www.theguardian.com/world/2025/jun/15/israels-attack-on-iran-has-a-real-chance-of-bringing-about-regime-change


التعليقات