تحليل: البيئة كضحية جانبية.. التكلفة الخفية لحرب الحوثيين
يمن فيوتشر - Global Network on Extremism & Technology- ترجمة خاصة: الثلاثاء, 22 أبريل, 2025 - 10:59 مساءً
تحليل: البيئة كضحية جانبية.. التكلفة الخفية لحرب الحوثيين

تتناول هذه الرؤية التحليلية التداخل المعقّد بين الصراع، والتكنولوجيا، والانهيار البيئي في اليمن، وتؤكد أن تحقيق السلام المستدام في البلاد يتطلب إدماج القضايا البيئية وحوكمة الموارد بشكل عادل ضمن الجهود الدولية لبناء السلام.

الحوثيون والحرب المدفوعة بالتكنولوجيا
تشهد طبيعة الحروب في الشرق الأوسط تحولًا جوهريًا يتمثل في دمج التقنيات المتقدمة في استراتيجيات الجماعات المسلحة غير الحكومية. وتتصدر جماعة الحوثيين في اليمن هذا التحول، إذ مكّنها الاستخدام الاستراتيجي للطائرات المسيّرة، والصواريخ المجنّحة، والعمليات السيبرانية، من تحدي القوى العسكرية التقليدية وإعادة تشكيل معادلات الردع الإقليمي. فمن شن ضربات بطائرات مسيّرة بعيدة المدى في عمق الأراضي الإسرائيلية إلى مهاجمة التجارة البحرية العالمية في البحر الأحمر، بات الحوثيون فاعلًا محوريًا في مشهد الحرب غير المتكافئة المعاصرة.
ولا تعكس عملياتهم مجرد انخراط أيديولوجي ضمن "محور المقاومة" بقيادة إيران، بل تُظهر أيضًا قدرة على التكيّف مع متطلبات الصراع في القرن الحادي والعشرين. فقد بدأت الجماعة كحركة إحيائية للزيدية الشيعية في تسعينيات القرن الماضي، ثم تحولت إلى جماعة مسلحة بقيادة عبد الملك الحوثي بعد مقتل المؤسس حسين الحوثي في عام 2004. وتسارع صعودها خلال أحداث الربيع العربي عام 2011، وبلغ ذروته في عام 2014 حين سيطرت على العاصمة صنعاء، مما شكّل بداية لحرب أهلية وكوارث إنسانية، وضعت الجماعة في مواجهة مباشرة مع تحالف تقوده السعودية لدعم الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا.
على مدار السنوات التالية، استفادت الجماعة من الاضطرابات الإقليمية والتدخلات الخارجية لتوسيع نفوذها، وقدّمت نفسها كقوة مقاومة للتدخل الغربي والخليجي في اليمن.
وتعتمد الجماعة بشكل كبير على التكنولوجيا في استمرار انخراطها العسكري، حيث تطورت من حركة تمرد محلية إلى قوة إقليمية قادرة على تنفيذ ضربات دقيقة ومنسقة. فعلى سبيل المثال، في 19 يوليو 2024، نجحت طائرة مسيّرة حوثية في قطع أكثر من 2600 كيلومتر لضرب مدينة تل أبيب، متجاوزة الدفاعات الجوية الإسرائيلية، وأوقعت ضحايا مدنيين في أول هجوم من نوعه منذ بدء الجماعة عملياتها ضد إسرائيل في أكتوبر 2023.
وفي 25 مارس 2025، أعلن المتحدث العسكري باسم الجماعة، يحيى سريع، مسؤولية الحوثيين عن هجمات صاروخية وجوية استهدفت مطار بن غوريون وسفنًا حربية أمريكية في البحر الأحمر، من بينها حاملة الطائرات "يو إس إس ترومان". ووفقًا للتقارير، استخدمت الجماعة صواريخ باليستية ومجنّحة، منها صاروخ "فلسطين-2" فرط الصوتي، ما أدى إلى تعطيل عملية عسكرية أمريكية في المنطقة.
لقد شكّل تبنّي الحوثيين لتقنيات الطائرات المسيّرة محورًا أساسيًا لتحوّلهم العسكري. ومن أبرز نماذج طائراتهم: "رُجم"، التي يمكن إعادة استخدامها، و"قاصف-1" و"قاصف-2K" بمدى يصل إلى 150 كم، و"صماد-2" و"صماد-3" بمدى يصل إلى 1500 كم. وتُصمم معظم هذه الطائرات في إيران وتُجمّع محليًا، ما يمنح الحوثيين قدرة على استهداف مصالح دول كالسعودية والإمارات وإسرائيل والولايات المتحدة.
كما تشمل ترسانة الجماعة صواريخ باليستية قصيرة إلى بعيدة المدى، مثل "توشكا"، و"زلزال-3"، و"سكود-C"، إلى جانب صواريخ إيرانية مثل "قدس-1" و"قدس-2" و"قدس-3". وتزعم الجماعة امتلاك صواريخ يصل مداها إلى 2000 كيلومتر، وبعضها من النوع الفرط صوتي. ويُقال إن لديها أيضًا صواريخ أرض-أرض مثل "توفان"، وصواريخ مضادة للسفن مثل "C-801"، التي تمثل تهديدًا حقيقيًا لسلاسل الإمداد البحرية.
وقد أصبحت هجمات الحوثيين على الشحن في البحر الأحمر وخليج عدن أداة ضغط سياسية، يدّعون أنها دعم للفلسطينيين في غزة. فمنذ أواخر 2023، نفذ الحوثيون أكثر من 100 هجوم على سفن تجارية وعسكرية. ورغم أن كثيرًا منها لم يُسبب أضرارًا مادية كبيرة، إلا أن تأثيرها النفسي والاستراتيجي كان بالغًا.
ويُعد الحوثيون أول جهة غير حكومية تستخدم صواريخ باليستية مضادة للسفن، مما أدخل المنطقة في مرحلة جديدة من عدم التوازن في الحروب البحرية. وقد وسّعوا نشاطهم إلى مجال الحرب السيبرانية، من تجسس واختراقات ونشر برمجيات خبيثة، ما مكنهم من تعطيل شبكات اتصال وجمع معلومات والتأثير على السرد الإعلامي، خاصة في المناطق المتنازع عليها.
وساعدتهم تقنيات مثل الملاحة بالأقمار الصناعية وخلايا الوقود الهيدروجيني على تعزيز مدى الطائرات ودقتها وقدرتها على التخفي، وهي تطورات يُعتقد أنها بدعم إيراني مباشر.
لكن تداعيات هذه التقنيات تتجاوز البعد العسكري، إذ تُخلّف أنشطة الحوثيين آثارًا بيئية خطيرة، تهدد الأنظمة البيئية ومصادر العيش، وتفاقم الأوضاع الإنسانية المتدهورة أصلًا في اليمن والمنطقة.

التداعيات البيئية لهذه الهجمات
لا تقتصر الهجمات الحوثية في البحر الأحمر على إظهار هشاشة الاستقرار الجيوسياسي، بل أسفرت أيضًا عن أزمة بيئية صامتة. فالهجمات على السفن التجارية تضر بنظام بيئي بحري هش، يضم أكثر من 1200 نوع من الأسماك و350 نوعًا من الشعاب المرجانية.
وكانت الشعاب المرجانية تعاني أصلًا من تغيّر المناخ، لكنها اليوم تواجه تحديًا إضافيًا من التسربات النفطية وحطام السفن. في 18 فبراير 2024، أصاب صاروخ حوثي ناقلة "إم ڤي روبيمار"، التي غرقت وعلى متنها 200 طن من زيت الوقود و80 طنًا من الديزل البحري، ما تسبب في كارثة بيئية مدمّرة.
هذه التسربات تؤثر مباشرة على التنوع البحري ومصادر الغذاء الأساسية للمجتمعات الساحلية في اليمن والصومال، كما تهدد بتلويث محطات تحلية المياه، الشريان الحيوي لمياه الشرب في هذه المنطقة القاحلة.
ويُحتمل أن تؤدي هذه الأضرار البيئية، بالإضافة إلى تراجع الأمن الغذائي والمائي، إلى أزمة إنسانية واسعة تتسم بندرة الموارد والنزوح والعنف المتجدد.
وامتدت الأضرار إلى المستوى العالمي، حيث غيرت الشركات مساراتها التجارية لتجنب البحر الأحمر، مما زاد الانبعاثات الكربونية. فالسفن التي كانت تمر عبر قناة السويس تتجه الآن إلى رأس الرجاء الصالح، ما يرفع استهلاك الوقود بنسبة تصل إلى 38%، ويزيد الانبعاثات بشكل هائل.
وفقًا لتحليلات شركة "زينيتا" النرويجية، ارتفعت انبعاثات الكربون في المسارات بين آسيا والمتوسط بنسبة 63% في الربع الأول من 2024 مقارنة بالربع السابق. كما أن اللجوء إلى الشاحنات أو الطيران بديلًا عن النقل البحري فاقم من التلوث، إذ تنتج الشاحنات تلوثًا يعادل 10 أضعاف النقل البحري، ويصل تلوث الطيران إلى 47 ضعفًا.
تزيد هذه التحولات من تعقيد جهود الشركات لتحقيق أهداف "صفر انبعاثات"، ما يدفعها للاستثمار في آليات تعويض الكربون أو تقليص انبعاثاتها في مجالات أخرى.
وعلى الصعيد الداخلي في اليمن، أسفرت الحرب عن أضرار بالغة في البنية التحتية للمياه، مما أجبر السكان على الإفراط في استخدام المياه الجوفية، وسرّع نضوب طبقات المياه. كما أدى النزوح إلى تآكل التربة وزيادة التصحر وانهيار الزراعة التقليدية. وألحقت الحرب أضرارًا بأنظمة الصرف والنفايات، مما زاد من تلوث المياه والتربة، وفاقم أزمة شُح المياه.
لم تعد أزمة اليمن مجرد قضية جيوسياسية أو إنسانية، بل أصبحت أزمة بيئية شاملة تؤثر على النُظم البيئية والاقتصادات المحلية والالتزامات المناخية الدولية. فالأضرار البيئية باتت جزءًا من دائرة مفرغة تربط بين الانهيار البيئي والصراع، وسيطرة الجماعات المسلحة، واضطراب الاستقرار الإقليمي.

•استغلال الحوثيين للأزمة البيئية
تُوظّف جماعة الحوثيين هشاشة اليمن وسيلةً لترسيخ سلطتها، مقدّمةً نفسها كجهة فاعلة في التخفيف من حدّة الأزمة البيئية والإنسانية المتفاقمة في البلاد. فلطالما عانت اليمن من أزمات بيئية مزمنة تشمل شح المياه الحاد، وإزالة الغابات، وتراجع القطاع الزراعي، وهي أزمات تفاقمت بفعل الحرب المستمرة منذ سنوات.
وفي المناطق التي تسيطر عليها، أحكم الحوثيون قبضتهم على المؤسسات الحيوية والقنوات الاقتصادية، وأقاموا أنظمة لاستخراج الموارد بهدف تمويل أنشطتهم العسكرية، وتقديم بعض الخدمات الأساسية، وتعزيز احتكارهم لاستخدام القوة. وفي موازاة ذلك، فرضت الجماعة سيطرتها على مصادر المياه والأراضي الزراعية، ودمجتها ضمن استراتيجيتها العامة للحكم.
ومن خلال التحكم في الوصول إلى الخدمات الأساسية، مثل المساعدات الإنسانية والمياه والدعم الزراعي النادر، نجح الحوثيون في تعميق تبعية المجتمعات المحلية لهم، ما ساعدهم في تعزيز سلطتهم في المناطق الخاضعة لسيطرتهم. كما تقارن الجماعة أداءها بما تصفه بـ"فشل الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً"، لتُقدّم نفسها كـ"حامية للبيئة" و"مزودة للاحتياجات الأساسية".
واعتمد الحوثيون كذلك سردية تُروّج لهم كـ"حرّاسٍ للموارد الطبيعية اليمنية" في وجه التهديدات الخارجية، لا سيما التدخلات العسكرية الأجنبية من قبل السعودية والإمارات. وتُبرز الجماعة ما تصفه بـ"الأضرار البيئية" التي تسبب بها خصومها، سواءً من خلال تسربات نفطية جراء استهداف ناقلات، أو عمليات عسكرية دمّرت النظم البيئية، وتُصوّر أفعالها على أنها خطوات ضرورية لحماية بيئة اليمن من الاستغلال الخارجي.
وتدعم الخطابات البيئية المرافقة لحملاتها البحرية في البحر الأحمر هذا التوجه، حيث تؤكد أن أنشطة الشحن الأجنبية تُشكّل تهديداً بيئياً، وتُقدّم هجماتها على السفن التي تنقل مواد خطرة بوصفها أفعال مقاومة تهدف لحماية البيئة من التخريب الذي يمارسه "الغرباء".
كما يستغل الحوثيون الأزمات الإنسانية الناتجة عن التدهور البيئي لتعزيز نفوذهم وتكريس شرعيتهم. فعبر التحكم في تدفّق المساعدات إلى المناطق التي تُعاني من شُح الموارد أو الكوارث المرتبطة بالمناخ، يُقدّمون أنفسهم بوصفهم الجهة القادرة على تقديم العون. ومن خلال هذا التحكم، يعززون تبعية المجتمعات المحلية لهم، ويكسبون شرعية باعتبارهم فاعلاً لا غنى عنه وسط معاناة عامة وانعدام للاستقرار.
وقد لجأت الجماعة بشكلٍ متزايد إلى خطاب العدالة البيئية والاستدامة لتصوير نفسها كـ"مدافع عن الموارد الطبيعية" في اليمن. وعلى الرغم من أن هذا التوجه لا يظهر دومًا في سياسات مُعلنة، إلا أن خطاب الحوثيين يتقاطع أحيانًا مع السرديات العالمية حول العدالة المناخية، لا سيما في الطريقة التي يُصوّرون بها التدخلات العسكرية الأجنبية بوصفها ليست فقط انتهاكًا للسيادة، بل مصدرًا رئيسيًا للتدهور البيئي.
ومن خلال هذه الاستراتيجيات – السيطرة على الموارد، وصناعة السرديات، واستغلال الأزمات الإنسانية – استطاع الحوثيون توظيف التدهور البيئي في اليمن كأداة لتعزيز قبضتهم على البلاد، وفي الوقت ذاته إضعاف مشروعية خصومهم. ويُبرز هذا كيف تتكيّف الجماعات المسلحة مع التحديات البيئية والاجتماعية، وكيف يمكنها استغلال هذه الأزمات لترسيخ نفسها في سياقات هشّة كاليمن.

•كسر الحلقة: الخاتمة والتوصيات السياسية
يجب دمج المرونة المناخية في عملية بناء السلام في اليمن من أجل كسر هذه الحلقة. وينبغي على المنظمات الدولية أن تُدرج القضايا المناخية ضمن الأطر السياسية، مثل خطة الأمم المتحدة لإنهاء الحرب في اليمن.
كما يجب أن تتجاوز جهود التعافي مجرد التسريح العسكري، من خلال معالجة الأسباب الهيكلية للهشاشة، مثل الوصول غير المتكافئ إلى المياه، والأراضي، ومصائد الأسماك. وينبغي أن تولي جهود التعافي وإعادة الإعمار المدروسة بيئيًا اهتمامًا خاصًا لثلاثة مجالات رئيسية: تسوية النزاعات المحلية على الموارد، وضمان الوصول العادل إلى المياه والأراضي ومصائد الأسماك، وبناء المرونة من خلال استراتيجيات التكيّف طويلة الأجل. ويمكن للزراعة الذكية مناخيًا، والنظم المشتركة لإدارة المياه، وسبل العيش المستدامة للمقاتلين السابقين أن تسهم في استقرار المناطق الريفية التي غالبًا ما تكون مهددة بالنزاع.
علاوة على ذلك، من المهم توسيع وصول اليمن إلى تمويل المناخ لدعم جهود التكيف والتخفيف بشكل فعّال.
وفي حين قد يكون انخراط شركات التكنولوجيا في سياق هش مثل اليمن محدودًا على المدى القصير، إلا أن التكنولوجيا يمكن أن تلعب دورًا حاسمًا في دعم المرونة المناخية والتعافي مستقبلاً. وتوفر أدوات مثل المراقبة عبر الأقمار الصناعية لإدارة المياه، وأنظمة الإنذار المبكر عبر الهواتف المحمولة، والمنصات الرقمية المجتمعية لتعقب الموارد، دعمًا واعدًا لإعادة الإعمار التي تراعي القضايا المناخية، لا سيما على المدى المتوسط والطويل.
لذا، ينبغي على السلطات اليمنية إنهاء تسليح الموارد الطبيعية والوفاء بالتزاماتها الدولية من خلال تنظيف الملوثات وحماية النظم البيئية. كما يجب تمكين منظمات المجتمع المدني من تنظيم مبادرات توعية مناخية على المستوى المحلي، وتحفيز الحوار حول التحديات المناخية، وتعزيز البحث في ديناميكيات المناخ والنزاع.
إن عملية إعادة إعمار شاملة ومحلية تراعي القضايا المناخية تشكّل مفتاحًا ليس فقط للتعافي ما بعد الحرب، بل أيضًا لكسر دوائر العنف والانهيار البيئي في المستقبل.

 

لقراءة المادة من موقعها الاصلي:

https://gnet-research.org/2025/04/22/ecology-as-collateral-the-hidden-cost-of-houthi-warfare/


التعليقات