تحليل: هجوم إسرائيل على إيران أشبه بالحرب العالمية الثالثة
يمن فيوتشر - The Intercept - ترجمة ناهد عبدالعليم الإثنين, 22 أبريل, 2024 - 12:42 صباحاً
تحليل: هجوم إسرائيل على إيران أشبه بالحرب العالمية الثالثة

لقي هجوم إسرائيل على إيران في وقتٍ مُتأخر من مساء الخميس ترحيبًا سريعًا وخطيرًا من وسائل الإعلام والحكومة الأمريكية، حيث تم اعتباره تجنبًا لـ"الحرب" بأكملها بطريقةٍ ما. 
وسارعت بدورها وسائل الإعلام مثل صحيفة نيويورك تايمز إلى تصنيف الهجوم بأنه "محدود" في نطاقه، مشيرة إلى تصريحاتٍ إيرانية تُفيد بأن الهجوم تم إطلاقه من داخل الحدود الإيرانية باستخدام طائراتٍ مُسيّرة صغيرة بدلًا من طائرات مقاتلة، ثم تبين أن الهجوم الإسرائيلي شمل صاروخ كروز متخفٍ أُطلق عن بُعد؛ كي لا يثير استياء شركاء إسرائيل العرب الجدد. 
وفي الواقع، هذا ما تبدو عليه الحرب الفعلية راهن الحال: أحيانًا قد تكون سلسلة من 300 صاروخ وطائراتٍ مُسيّرة، وأحيانًا على نحو محدود المدى، وتُنفذ سرًا، إذ اندثرت أيام الجيوش الفتاكة الهائلة والمواجهات العسكرية التقليدية بين طرفين.
وطالما يشعر الخُبراء والحكومة ووسائل الإعلام بالقلق فقط إزاء نوع من الحرب القديمة، إلا أنهم لن يستطيعوا رؤية الحرب التي تقف أمامنا حاليًا.
وسوء الفهم هذا، انتقل حتى إلى الحكومة الأمريكية، حيث يقول بيانٌ صادر عن وزارة الخارجية تم إعداده بعد الهجوم وحصلت The Intercept على نسخة منه: "إن تجاهل الهجمات المباشرة على أراضيها قد يُشير إلى أن الجمهورية الإسلامية تفتقر إما إلى الرغبة أو القُدرة على مُضاهاة تلك الثرثرة بالقوة العسكرية المعلنة".
يضيف البيان: "خلال أسابيع من التبادلات العسكرية غير المسبوقة بين إيران وإسرائيل، يبدو أن المسؤولين الإيرانيين حريصون على تجنب التصعيد الأكثر تفاقمًا".
وقبل هجوم الخميس، تعهد وزير الخارجية الإيراني (حسين أمير عبداللهيان) بأنه إذا ما قامت إسرائيل بالرد، فإن "الرد التالي منا سيكون فوريًا وبأقصى درجة". والآن، يتعيّن على طهران التكيف مع حقيقة عدم حدوث رد إسرائيلي ضخم وربما لن يحدث أبدًا.

وبينما تنتظر وسائل الإعلام والعالم وقوع حربٍ شاملة بين إيران وإسرائيل وتشعر بالقلق حتى من التصعيد النووي، يتم تجاهل حقيقة هامة في الحروب الحديثة: أننا بالفعل نخوض حربًا عالمية ثالثة. 
لا، ليست عن طريق إمبراطورياتٍ تُسيطر على القارات وتسير بجيوشها عبر البلدان، ولا بملايين الشباب (والآن النساء أيضًا) الّذين يُجنَّدون في الزي العسكري على نحوٍ يقارب مئة عام مضت. ولا، في معظم المجتمعات التي تعيش في حالة حربٍ مستمرة، لا يحتاج الجمهور حتى لشعور بألم الحرب، باستثناء أن الجيش يهيمن على كل شيء وينهب كل شيء من الموارد، برامج مكافحة الفقر والغذاء والإسكان والرعاية الصحية والنقل وتغير المناخ.
وبدلًا من ذلك، تكمن الحرب العالمية الثالثة في كل مكان، في كوكبٍ يشتعل بالصراعات المسلّحة ويطغى عليه بيع الأسلحة، وفن الرسم البياني للقتال يجتاح العالم، وصفقة مستمرة لـ"خبراء" الأمن القومي والمجمع الصناعي العسكري.

ولنقُم بأخذ جولة في ساحة المعركة، في الشرق الأوسط، لدينا الولايات المتحدة وتركيا والعراق وحتى إيران، لديها نقاط قوة في سوريا بينما يستمر الصراع الأهلي الداخلي بدون توقف. وكل ذلك يمر معظم الوقت دون أي تعليق، حيث يتجه الناس للنظر في معارك تشبه الحرب العالمية الثانية في أماكن أخرى. والميليشيات الإيرانية، التي يتم تمويلها أو دعمها أو إلهامها من إيران، أو الميليشيات المستقلة في سوريا والعراق التي تستهدف القوات الأمريكية فيها والآن في الأردن. 
كما تقوم الولايات المتحدة بشنِّ ضربات جوية، وكذلك إسرائيل وتركيا وشركاء آخرين صامتين لواشنطن في الحرب ضد إيران وسوريا وداعش وحزب الله. 
وتقول الولايات المتحدة إن مكافحة داعش، عملية العزم الصلب، تشمل أكثر من 80 "شريكًا" يقاتلون ليس فقط في سوريا والعراق، ولكن أيضًا في أفغانستان وليبيا. ويضم ذلك التحالف أكثر من 80 دولة، لكن الولايات المتحدة تتردد في ذكرها، خاصة أولئك العملاء، المتحالفين الذين يعملون سرًا على الأرض.

وكل ما نعلمه هو أن 10 دول كانت مشاركة في ضربات جوية على أهداف الحوثيين في اليمن، بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا والبحرين وكندا والدانمارك وألمانيا وهولندا ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية. ومثل العديد من النزاعات الأخرى، ليس من الواضح تمامًا من قام بالقصف ومن أين، ولا الأعضاء الآخرين في الطاقم الداعم. حيث تقوم الولايات المتحدة بشنِّ ضرباتٍ جوية من حاملات الطائرات ومن دول الخليج، ومن الكويت والأردن، وربما حتى من السعودية وعُمان. لكن الحرب العالمية الثالثة تتطلب الحفاظ على الأمور بسريّة، لذلك لا أحد يعلم. وفي البحر الأحمر، انضمت هذه الدول نفسها - بالإضافة إلى فرنسا وإيطاليا والنرويج وسيشل وإسبانيا واليونان وفنلندا وأستراليا وسريلانكا - لصدِّ هجماتِ الحوثيين في البحر. 
ويُشار إلى أن مزيد الدول تشارك في التحالف بشكلٍ سري، نظرًا للحساسيات المحيطة بدعم إسرائيل خلال حربها مع حماس. لكن هناك أيضًا الحرب ضد القراصنة، والحرب ضد انتشار الأسلحة النووية، والحرب ضد تهريب الأسلحة، وحتى الحرب في الشرق الأوسط ضد المخدرات، التي يقوم بشنّها أسطول بحري دولي يضم عشرات الدول.

وفي حين أن الحرب الإسرائيلية في غزة والتوتر المتبادل مع إيران يحتلان الصدارة في قائمة الأحداث الرئيسية حاليًا، وفي أوكرانيا، تستمر الحرب والمواجهة لأكثر من عامين. وهنا أيضًا، كانت كل الأعين تتركز على نوع من الانتصار الحاسم أو الهزيمة، لكن الحرب العالمية الثالثة تتميز بشكلٍ أكبر بأن أوكرانيا أو وكلاءها يهاجمون بانتظام أهدافًا داخل روسيا، وهي هجمات تُقلل موسكو من تبريرها. والروس الذين يقاتلون في صفوف أوكرانيا يقومون الآن بغزواتٍ منتظمة إلى مناطق بيلغورود وكورسك الروسية. وفي الوقت نفسه، الحرب العالمية الثالثة الحقيقية هي حرب حلف شمال الأطلسي (الناتو) التي تخوضها بالفعل مع روسيا، حيث تزيد أنشطتها المجاورة للعدو، وتوسع صفوفها، وتعزز قواتها العسكرية، وتزود أوكرانيا بالأسلحة. وفي الوقت نفسه، تم نشر الولايات المتحدة من النرويج إلى بلغاريا، وخلال السنتين الماضيتين، أقامت قاعدة رئيسية جديدة في بولندا. وفي الوقت نفسه، لعبت إيران وكوريا الشمالية دورهما في نقل الطائرات المُسيّرة والصواريخ وقذائف المدفعية إلى جهود الحرب الروسية.

وعلى الرغم من أن الغزو الروسي الواضح يبدو وكأنه يُجسد مفهوم قوات الاحتلال التقليدي والحرب العالمية الثانية، إلا أن الواقع يتمثل في أن أوكرانيا لم تتحول أبدًا إلى "أكبر معركة دبابات" على الإطلاق كما توقع بعض الناس، ولم تتصاعد الأمور إلى حرب نووية، ولم تكُن حاسمة حتى.
حيث تُعد الحرب في أوكرانيا حدث غيّر العالم في السنوات الخمس الماضية، لكن حتى هنا، بدون تجاوز حدود إضافية، وبدون تصعيد، وبدون أن تطلق روسيا وحلف شمال الأطلسي النار على بعضهما مباشرة، بالإمكان استخلاص بعض الدروس القوية، حيث اصطدمت الجيوش ببعضها.
أما الحرب العالمية الثالثة ليست كما يُقال عنها جيش يجتاح القارة. حيث لم يتجاوز عدد الجنود على ساحة المعركة في أوكرانيا 300،000 جندي في أي وقت مضى؛ بينما في الحرب العالمية الثانية، كان يصل عدد الجنود إلى يقرب من 10 ملايين جندي يواجهون بعضهم البعض يوميًا (وتم تعبئة حوالي 125 مليون بشكل عام). ونظرًا لزيادة قوة الأسلحة وفتكها الأكبر، كانت الخسائر العسكرية في أوكرانيا ضخمة. لكن معظم المواجهات البرية وقعت بشكلٍ سرّي؛ فتجميع الكثير من القوات في مكان واحد يشكل خطرًا كبيرًا في عالمنا الحالي. وقد تكشفت كل هذه التطورات في حين أن كُلًا من روسيا وأوكرانيا لم يتمكنا من استغلال القوة الجوية بالطريقة نفسها التي تفعلها الولايات المتحدة، باستثناء الهجوم القاسي واللا إنساني الذي قاده (فلاديمير بوتين) واستخدم الشباب الروسي كطعم للمدفعية، وقليلة هي الدول التي ترغب في القتال بهذه الطريقة، وتفضل الهجمات عن بُعد باستخدام الطائرات والصواريخ على مسافة بعيدة (والآن الطائرات المُسيّرة).

وفي جنوب أوكرانيا، تستمر توترات بين أذربيجان وأرمينيا. ففي العام الماضي، هاجمت أذربيجان جمهورية أرتساخ المتمردة. وبدعمٍ من تركيا وباستخدام أسلحة إسرائيلية، حاولت أذربيجان إخماد كيان الأرمن العرقي بشكلٍ دائم، وتمكّنت بنجاح من تهجير عشرات الآلاف من المدنيين إلى الدول المجاورة. أما في خليج عدن والمحيط الهندي، يعجّ بحر الصين الجنوبي بالصراعات البحرية، حيث تتم إجراءات بحرية صينية مستمرة حول حدود تايوان بالإضافة إلى حوادث اقتراب مع كوريا الجنوبية واليابان والفلبين (والولايات المتحدة). وفي الوقت نفسه، لا تزال الحرب الأهلية في ميانمار مستمرة بلا هوادة.

وعلى شبه الجزيرة الكورية، تستمر كوريا الشمالية في إجراءِ التجارب النووية وإطلاق الصواريخ الباليستية إلى المحيط بدون إعلان أو إنذار، وتُشكّل التوترات ضجيجًا مستمرًا من الألعاب الحربية والاقتحامات العسكرية والحوادث الحدودية. وتتدافع آلاف المدافع عبر منطقةٍ منزوعة السلاح، حيث تتهم كوريا الجنوبية كوريا الشمالية باستخدام تكنولوجيا في الصواريخ الإيرانية الموجهة نحو إسرائيل. وبالطبع، الولايات المتحدة وشركاء آخرون نشطون على الأرض. وفي عالم يفترض أنه "نظام دولي مرتب"، تستمر الهند وباكستان في القتال على الحدود المشتركة، كما حدث لعقود. وتتواجه الهند والصين، وهي نقطة توتر أخرى قد تعني أيضًا الحرب العالمية الثالثة في نظر البعض، لكنها بالفعل حاضرة هنا في الواقع.

وفي أفريقيا، تنشط القوات العسكرية والإرهابيون والمتمردون والمرتزقة والميليشيات واللصوص والقراصنة والانفصاليون، وذلك وفقًا لمشروع موقع وبيانات الصراع المسلح في أنغولا وبوركينا فاسو والكاميرون وجمهورية أفريقيا الوسطى وتشاد وجمهورية الكونغو الديمقراطية وإثيوبيا وكينيا ومدغشقر ومالي وموزمبيق والنيجر ونيجيريا ورواندا وجنوب السودان. وتتنافس الصين وروسيا من أجل القواعد والنفوذ (حيث لدى الصين بالفعل قاعدة في جيبوتي). كما تنشط مجموعة فاغنر الروسية في أفريقيا وتُعتبر مشاركة في المعارك، وفي الشهرين الماضيين، قامت القوات العسكرية الرواندية بشنِّ هجمات على أهداف في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وأجرت المغرب ضرباتٍ بطائرات مُسيّرة على مقاتلي جبهة البوليساريو بالقرب من الحدود الصحراوية الغربية.
وفي القارة الأفريقية، تشارك الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة في معارك واسعة وسريّة، من المفترض أنها ضد الإرهابيين الإسلاميين، في حين يشتعل الصراع في جميع أنحاء القارة ولا يمكن لأي منهما أن يدّعي أي انتصارات طويلة الأمد في مجال مكافحة الإرهاب وحفظ السلام. وتعاني القوات الأمريكية المتواجدة في النيجر من تعثر حكم الجنرالات المدربين من قبل الحكومة الأمريكية، التي تعتبر بصمة أمريكا غير قانونية. وتقوم الولايات المتحدة أيضًا بشن ضربات جوية على أهداف في الصومال منذ سنوات، وتشارك بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال بنشاط في مكافحة حركة الشباب.

وتواصل القوات الأمريكية التمدد في أمريكا اللاتينية ومنطقة بحر الكاريبي، حيث تستخدم سفن الصواريخ لاعتراض الغواصات المهربة للمخدرات، وترسل فرق مكافحة الإرهاب البحرية إلى هايتي المنهارة تمامًا، وتسرع في تصدير المروحيات والطائرات والطائرات المُسيّرة البحرية إلى غويانا بينما تراقب فنزويلا جارتها بطمع في احتياطياتها النفطية.
وتداول مسؤولون كبار في إدارة بايدن فكرة إرسال قوات أمريكية إلى المنطقة الغابية الخطيرة التي تربط بين جنوب ووسط أمريكا والمعروفة بـ"ثغرة دارين" لوقف تدفق المهاجرين والمخدرات عبر الحدود الجنوبية للولايات المتحدة. 
وهناك سؤال يتراود بكثرة، ما الذي حدث بالفعل للحياد في السنوات القليلة الماضية؟ فقد قدمت سويسرا والنمسا أسلحة لأوكرانيا. وقد انضمت السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو). فقط كوستاريكا وآيسلندا وموريشيوس وبنما وفانواتو ليس لديها قوات مسلحة رسمية، ولكن حتى هناك، تُعد آيسلندا عضوًا نشطًا جدًا في حلف شمال الأطلسي وبنما حليف عسكري وثيق للولايات المتحدة. وفيما يتعلق بالدول الصغيرة التي تخوض معارك كبيرة، تعتبر فيجي ولوكسمبورغ عضوين في التحالف العالمي لهزيمة داعش.

والحرب الشاملة والمنتشرة، الحرب العالمية الثالثة لدينا، ترسم صورة عالمية ساحقة، تترك القليل من المجال لتخيُّل أن هناك شيئًا يمكن القيام به بشأنها. ومن الصعب عدم الاستنتاج أن القوى العظمى و"المجتمع" الأمني الوطني ليسوا راضين بطريقة أو بأخرى عن الوضع الحالي. لكن، وعلى غرار الإدمان، تكون الخطوة الأولى نحو الشفاء هي الاعتراف بأن لديك مشكلة في الحرب، أو ما يسمى في هذه الحالة، مشكلة عالمية.


التعليقات