في تقرير يوليو لعام 2022 حول الاستجابة الإنسانية للأمم المتحدة للأزمة في اليمن، خلص الفريق التوجيهي للتقييم الإنساني المشترك بين الوكالات التابعة للأمم المتحدة إلى أن "جودة المساعدات الإنسانية في العديد من المناطق كانت منخفضة بشكل غير مقبول، وأن السكان المتضررين قد قالوا مراراً وتكراراً انهم لم يعرفوا كيفية الحصول على المساعدة ، أو كيفية الحصول على "القوائم" التي تسمح لهم بالحصول على المساعدة ".
حيث كان اليمنيون من جميع مناحي الحياة ينتقدون كيفية تقديم المساعدة الإنسانية الدولية في اليمن بشدة.
في الواقع، قد تكونت حملة على وسائل التواصل الاجتماعي باستخدام هاشتاغ # أين_المال تعبر عن إحباط اليمنيين من الإخفاقات في تنفيذ المساعدات الإنسانية الدولية، والتشكيك في جودة هذه المساعدات، والمطالبة بالشفافية من الأمم المتحدة والوكالات الدولية الأخرى فيما يتعلق بأساليب وعملية إنفاق الأموال.
وعلاوة على ذلك، دأب عدد متزايد من الخبراء اليمنيين منذ فترة على دق ناقوس الخطر بشأن إخفاقات الاستجابة الإنسانية الدولية في البلاد.
وقد نشر المؤرخ اليمني الأمريكي (آشر أركابي)، والصحفي الاستقصائي اليمني (علي سالم)، والكاتب، ومركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، انتقادات ملفتة لمنظومة المساعدات الإنسانية الدولية في اليمن، كما أطلع مركز صنعاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة حول نفس الأمر.
تشير كل هذه الانتقادات إلى وجود مشاكل خطيرة يجب على المجتمع الإنساني الدولي معالجتها من أجل التخفيف الحقيقي من المعاناة الإنسانية في اليمن.
حيث تشمل هذه المشاكل استراتيجية ضعيفة تركز على الحلول قصيرة الأجل، والمواقف ذات النتائج العكسية من الحياد وعدم التحيز، والإحجام عن التحدث علانية ضد إساءة الأطراف المتحاربة لعمال الإغاثة والعاملين في المجال الإنساني، وعدم وجود احتواء كافٍ للمهنيين اليمنيين.
ولمعالجة هذه المشاكل، من الضروري للغاية أن تعمل المنظمات الدولية على القضاء على الفساد، وإعادة تقييم استراتيجياتها وممارساتها، وإشراك الشركاء والخبراء المحليين بدرجة أكبر، فقط من خلال إجراء هذه التغييرات والتركيز على الحلول طويلة الأجل، ستتمكن هذه المنظمات من المساهمة في حل الوضع الإنساني في اليمن بشكل دائم.
•مقياس الأزمة الإنسانية الحالية
دفع فقدان سبل العيش بسبب الصراع المستمر ملايين اليمنيين إلى الاعتماد على المساعدات الإنسانية، وهو أمر مهم بشكل خاص في بلد كان على مدى عقود قبل النزاع يصنف على أنه أفقر دولة في العالم العربي.
فقد وصفت الأمم المتحدة اليمن عام 2017، بأنه أسوأ أزمة إنسانية في العالم، حتى تم تسمية أفغانستان في عام 2021 على أنها تستعد لتولي هذا اللقب الرهيب.
فمنذ بدء الصراع في اليمن، كانت هناك جهود إنسانية دولية متزايدة بشكل مستمر، ويصنف تقرير المساعدة الإنسانية العالمي لعام 2021 اليمن على أنه ثاني أكبر متلقٍ للمساعدات الإنسانية الدولية في العالم. على الرغم من أن اليمن لم تتلق كل التمويل الذي تم التعهد به بعد، ومنذ عام 2015، تم تسليم مليارات الدولارات من المانحين الدوليين لتمويل خطة الاستجابة الإنسانية التي تقودها الأمم المتحدة.
ومع ذلك، لا تزال الحالة الإنسانية متردية، حيث أشارت التقديرات إلى أن أكثر من مليوني طفل يمني دون سن الخامسة سيعانون من سوء التغذية الحاد في عام 2022، وأن ما يقرب من 19 مليون شخص في اليمن سيعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، مقارنة بـ 13.5 مليون في عام 2020.
إن سوء التغذية معرض لخطر حدوث أضرار لا رجعة فيها لصحتهم ونمو دماغهم في المستقبل، إضافة إلى توقف النمو.
وفي الوقت نفسه، فإن عدد الأطفال المتسربين من المدرسة آخذ في الارتفاع، حيث وصل إلى أكثر من مليوني طفل، و أكثر من ثمانية ملايين امرأة وفتاة في سن الإنجاب في اليمن بحاجة ماسة إلى الحصول على خدمات الصحة الإنجابية.
ووفقاً لتقرير البنك الدولي الصادر في يونيو عام 2022، فإن عدداً مهولاً من اليمنيين - ما بين 71 و 78 في المائة من سكان البلاد البالغ عددهم 30 مليون نسمة - يعيشون الآن في فقر.
•استراتيجية ضعيفة
تعرف معظم المجموعات الإنسانية الدولية ومجموعات حقوق الإنسان التي تعمل على القضايا المتعلقة باليمن ما يريدون القيام به، لكنهم يفشلون في فهم الآثار الجانبية المحتملة لعملهم بشكل كامل. وهذا يعني أنهم على دراية بتفويض عملهم واستراتيجيتهم، لكنهم يفتقرون إلى القدرة على تنفيذها بفعالية دون التسبب في أضرار للشعب اليمني.
فإن استراتيجيات هذه المنظمات تميل إلى التركيز على تنفيذ أجنداتها الخاصة، والتي عادة ما يكون لها تأثير مؤقت قصير المدى، والتي تهدف بشكل أساسي إلى إرضاء الجهات المانحة وتلبية توقعاتهم.
لكن بالنسبة للعديد من اليمنيين، فإن هذه الاستراتيجيات ليست ذات صلة، ولا تعالج جذور المشكلة، وتفشل في توفير حلول طويلة الأجل للقضايا المستمرة.
و من الأمثلة البارزة على ضعف إستراتيجية المساعدة الإنسانية ممارسات برنامج الغذاء العالمي في اليمن.
ففي سبتمبر 2022، قال المدير القطري لبرنامج الأغذية العالمي عن عمل المنظمة هناك إنه "كان قادراً على منع الجوع عن الناس او منع المجاعة". ومع ذلك، فإن إبقاء المجاعة "في نطاق ضيق" يُعتبر حل قصير المدى، وهو حل يؤدي في النهاية إلى حالة من الاعتماد على المساعدات الخارجية.
عندما فاز برنامج الأغذية العالمي بجائزة نوبل للسلام في عام 2020، أصيب العديد من اليمنيين بالصدمة، لا سيما بالنظر إلى عمل البرنامج المعيب في البلاد.
فقد تم اتهام برنامج الأغذية العالمي مراراً وتكراراً بترك الطعام يتعفن في المستودعات المحلية وإرسال طعام فاسد إلى اليمن، وربما يفعلون ذلك عن عمد، و من المحتمل أن تكون النتائج المأساوية لبرنامج المساعدة الغذائية التابع لبرنامج الأغذية العالمي ترجع إلى الصعوبة اللوجيستية الشديدة للعمل في اليمن.
ومع ذلك، فإن الضوء يُسلط على مشكلة أخرى وهي: مبدأ الحياد.
مع استمرار الصراع، ظهرت المزيد من الميليشيات المسلحة وازدهر اقتصاد الحرب.
وفي هذا السياق، تُرجم موقف الحياد للمنظمات الإنسانية الدولية إلى صمت مأساوي بشأن ممارسات الجماعات المسلحة التعسفية ضد العمل الإنساني وعرقلة المساعدات الإنسانية.
حيث سلطت تقارير إعلامية عديدة الضوء على الانتهاكات التي ارتكبتها الأطراف المتحاربة في البلاد ضد المساعدات الإنسانية، ولكن على الرغم من تحقيق وكالة (أسوشيتد برس) المعمق الذي يوضح بالتفصيل انتهاكات المساعدات التي ارتكبتها جميع أطراف النزاع، فقد أخفقت مجموعات المساعدة الإنسانية الدولية في إدانة هذه الانتهاكات.
وفي أبريل 2021، بعد ثلاث سنوات من العمل كمنسق مقيم للأمم المتحدة ومنسق الشؤون الإنسانية في اليمن، تحدثت (ليز غراندي) ضد انتهاكات جماعة الحوثي المسلحة للمساعدات الإنسانية خلال جلسة استماع للجنة الفرعية في الكونجرس.
ومع ذلك ، فقد اتُهمت مكاتب الأمم المتحدة في اليمن بالفساد الكبير.
ما يحتاجه اليمنيون من عمال الإغاثة الإنسانية الدوليين أثناء وجودهم في مناصبهم هو الشجاعة التي أظهرتها (غراندي).
حيث يجب عليهم تسمية الجماعات المسلحة المسؤولة عن تفاقم الأزمة الإنسانية وفضحهم، و قد تكون نقطة الانطلاق المحتملة لهذا الجهد هي إدانة القيود التي تفرضها جماعة الحوثي المسلحة على النساء، بما في ذلك العاملات في مجال المساعدات الإنسانية (اليمنيات والأجانب) ، اللواتي يجبرهن الحوثيون على أن يكون لهن وصي ذكر عند السفر للعمل داخل اليمن.
ربما تنبع استراتيجيات المنظمات الدولية الضعيفة من الخوف من فقدان التمويل، أو من الالتزام بعمل الكتاب كما يود المانحون أن يفعلوا، أو من عناصر معينة من الاستشراق.
ولسوء الحظ، يأتي إرضاء المانحين كأولوية قصوى على جدول أعمالهم. حيث تحتوي صفحات وسائل التواصل الاجتماعي للعديد من المنظمات الإنسانية الدولية العاملة في اليمن على العديد من المنشورات التي تشكر مانحين محددين على تمويلهم، وكأن جزءاً من عملهم هو الاستجابة لحاجة المانحين للاعتراف.
•الخضوع لأمراء الحرب
لأن غالبية سكان اليمن يعيشون في مناطق تسيطر عليها جماعة الحوثي المسلحة، فإن غالبية العمل الإنساني في البلاد يتم في تلك المناطق.
فبعد أن أدرك قادة الحوثيين أن المساعدات الدولية يمكن أن تكون أداة قوية، أنشأوا في عام 2019 هيئة إنسانية مملوكة للحوثيين تسمى المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي (SCMCHA).
سأل كاتب هذا التقرير العديد من العاملين والمجموعات في المجتمع المدني، بما في ذلك عمال الإغاثة الإنسانية المحليون، عن أفكارهم حول (SCMCHA)، وقد كان لجميع الذين تم استجوابهم تقريبًا نفس الاستجابة: الهدف الرئيسي لـ (SCMCHA) هو تقديم معلومات استخبارية إلى كبار مسؤولي الحوثيين حول مجموعات المساعدات الإنسانية المحلية المستقلة، وفرض مئات القيود على منظمات الإغاثة المحلية والدولية، وفرض الضرائب أو خصم الأموال من المساعدات الإنسانية الدولية.
حيث تحتكر (SCMCHA) جميع أعمال المساعدات الإنسانية اليمنية في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، مما يعني أن أي جماعات مجتمع مدني تحاول القيام بأعمال الإغاثة يجب أن تلتزم بقواعد ومتطلبات سلطات الحوثيين، ويجب أن تخضع للإشراف الكامل.
تحدثت مجموعات المساعدات الإنسانية الدولية علانية ضد انتهاكات (SCMCHA) في مناسبة واحدة فقط.
وفي فبراير 2020، أفادت وكالة (أسوشيتيد برس) عن خلاف بين الحوثيين ووكالات الأمم المتحدة، والذي حدث بعد أن طالبت سلطات الحوثيين بفرض ضريبة بنسبة 2 في المائة على كل من البرامج الإنسانية للأمم المتحدة.
ونتيجة لذلك، علق المانحون الدوليون المساعدات للمناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، مما أجبر الحوثيين على تعليق خطتهم الضريبية، وبالتالي شجع المانحين على استئناف المساعدات.
توصلت بعد ذلك سلطات الحوثيين إلى طريقة أخرى لكسب المال من المساعدات الإنسانية، وهي فرض رسوم على اليمنيين أنفسهم.
خلال شهر رمضان في عام 2022، على سبيل المثال، أصدرت سلطات الحوثيين أمراً لم يتم ذكره إلى حد كبير خارج البلاد، كان ينص على عدم السماح لأي شخص بالتبرع بالطعام أو المساعدة خارج سيطرة الجماعة أو إشرافها، وهذا ما حدث بالفعل، لذلك مطلوب ترخيص.
نظراً لأن مجموعات المساعدة الإنسانية الدولية تحاول التمسك بالحياد في عملها، فإنها غالباً ما تخضع لأوامر الحوثيين، والتي تسمح لسلطاتهم بالاستفادة من المساعدات المخصصة للأفراد والمنظمات المحلية.
•استبعاد الشركاء المحليين المحتملين
يمكن التخفيف من كل هذه المشاكل أو حلها بالكامل إذا تم إشراك المزيد من الأصوات اليمنية، وإذا تم الاستماع إلى النصيحة التي يتعين على الشركاء المحليين المحتملين تقديمها.
ويجب على المنظمات الدولية إشراك المزيد من عمال الإغاثة الإنسانية اليمنيين في الجهود المبذولة في اليمن.
فإن اليمنيون الذين لديهم معرفة محلية واسعة، هم الأقدر على تحديد احتياجات مجتمعاتهم واقتراح الحلول الممكنة.
و يمكن للعاملين في المجال الإنساني اليمني الترويج لأفضل التكتيكات والاستراتيجيات الممكنة لتحفيز الحوثيين والجماعات المسلحة الأخرى والضغط عليهم لتغيير سلوكهم.
هذا لا يعني أنه لا يوجد مهنيون يمنيون يعملون في المنظمات الإنسانية الدولية، بل للتأكيد على عدم وجود عدد كافٍ منهم، خاصة على مستوى صنع القرار، بين الفِرق التي تصمم بالفعل الخطط والبرامج الإنسانية.
•استراتيجيات بديلة
بعد مرور ثمان سنوات من الصراع، لم تعد الأزمة الإنسانية في اليمن حالة طوارئ، بل تحولت إلى وضع إنساني مؤلم وطويل الأمد، مما أوجد اقتصاد حرب معقداً ثبت أنه من المستحيل تفكيكه.
و إذا كان المجتمع الإنساني الدولي يهدف حقاً إلى تخفيف المعاناة الإنسانية، فمن الضروري أن يتخذ نظرة شاملة وأن يعمل على تصميم استراتيجيات توفر حلولاً طويلة الأجل وتعالج كل من الاحتياجات اليومية وجذور المشكلات المتنوعة.
يجادل بعض منتقدي مجموعات المساعدة الإنسانية الدولية العاملة في اليمن بأن أداؤها المعيب كان له نتائج عكسية، وأن الأزمة الإنسانية ربما كانت ستتحسن لولا المشاركة المكثفة من مجتمع المساعدات الإنسانية الدولية.
و من أجل معالجة هذا الوضع، يجب على مجموعات المساعدة الإنسانية الدولية أن تغير استراتيجياتها وأساليبها تجاه مساعدات التنمية، والتي تهدف عادةً إلى معالجة المشاكل الهيكلية التي تساهم في المعاناة الإنسانية.
وإذا لم تكن المساعدة الإنمائية جزءاً من ولايتهم، فيجب عليهم على الأقل إقامة تعاون وثيق بين البرامج الإنسانية والإنمائية لمعالجة الأسباب الكامنة وراء المشاكل الإنسانية مثل انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية.
يتعين على المنظمات الإنسانية الدولية في اليمن أن تلعب دوراً إيجابياً وأن تظل منفتحة على التعلم من الشركاء المحليين، والاستماع إلى مطالب اليمنيين، والاهتمام بخبراء اليمن عندما يحذرون من الضرر الذي يسببه نظام المساعدة الإنسانية الدولي عن قصد أو عن غير قصد.