لا يُقدّم نتنياهو عرضًا مُقنعًا لرئيس أمريكي يُركّز على النتائج. ترامب يُمضي قُدمًا في أولوياته، وهذا هو الاهم.
من المقرر أن يلتقي الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) بولي العهد السعودي الأمير (محمد بن سلمان) يوم الثلاثاء. ومن بين الاجتماعات المرتقبة، يبرز اجتماع موسّع في الرياض يضم كلاً من رئيس السلطة الفلسطينية (محمود عباس)، والرئيس اللبناني (جوزيف عون)، والرئيس السوري (أحمد الشرع) (المعروف أيضاً بلقب الجولاني).
و بالنسبة لإسرائيل، يُعدّ هذا التطور مقلقاً على عدّة مستويات.
فمحمود عباس لم يفرض حضوره، بل وُجّهت إليه دعوة رسمية من ولي العهد. وسيكون جُزءاً من مجموعة من القادة العرب الذين سيلتقون بالرئيس الأمريكي خلال زيارته للسعودية.
و هذه الدعوة لم تأتِ من فراغ، بل تمثل خطوة مدروسة تهدف إلى طرح القضايا الإقليمية الحساسة مباشرة أمام ترامب.
وولي العهد السعودي يبعث برسالة واضحة: لا يمكن تجاوز السلطة الفلسطينية، رغم محاولات إسرائيل للقيام بذلك.
"تريدون التحدث إلينا؟ نحن منفتحون على ذلك. تريدون تجارة وصفقات كبرى؟ بكل تأكيد. لكن هناك بُعداً سياسياً أيضاً، ونحن واضحون في هذا الشأن: لا طريق يتجاوز رام الله. محمود عباس جزء من الوفد، إنه واحد منا. عليكم أن تروا المنطقة كما نراها نحن، لا كما تعرضها إسرائيل."
و هذه الرسالة بدأت تتخذ شكلاً عملياً، ولم تُبدِ إدارة البيت الأبيض أي اعتراضٍ عليها، ولم يكن متوقعاً أن تفعل.
و يبدو أن ترامب غير منزعج من هذا التطور، وهذه هي بالضبط مشكلة نتنياهو.
الوقائع واضحة: ترامب سيلتقي محمود عباس خلال جولته الإقليمية، لكنه لن يلتقي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
و إصرار السعودية على إشراك عباس لا يُعد مجرد إشارة داخلية أو لفتة تجاه العالم العربي الأوسع، بل يعكس تحولات في الديناميكيات السياسية والأمنية الإقليمية، وهذه التحولات لا تسير في صالح إسرائيل.
كما أن المطالب السعودية، التي طُرحت في البداية كرد فعلٍ على الحرب في غزة، شهدت تصعيداً إضافياً خلال الأسابيع الأخيرة. وساهم قراران أمريكيان رئيسيان في تعزيز هذا الاتجاه:
أولاً، وقف العمليات العسكرية ضد الحوثيين رغم استمرارهم في إطلاق الصواريخ الباليستية على إسرائيل.
وثانياً، الدفع نحو إبرام اتفاقيات أمريكية-سعودية كبرى من دون ربطها بشرط التطبيع مع إسرائيل.
و بصرف النظر عن نوايا ترامب، فإن الرسالة الإقليمية لا لبس فيها: الولايات المتحدة تنسحب تدريجياً، وتترك لإسرائيل مهمة التعامل مع تهديداتها بنفسها. و لم تعد أمريكا "القبة الحديدية" لإسرائيل. هذه هي الحقيقة الراهنة، مهما ادّعى البعض خلاف ذلك.
•تهميش ترامب لإسرائيل يُضعف مكانتها الإقليمية
لقد تدهورت المكانة الإقليمية لإسرائيل.
فخلافاً لما كان عليه الوضع قبل 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، باتت عملية التطبيع مع إسرائيل الآن مشروطة بمكاسب ملموسة، لا بمبادرات رمزية أو شعاراتٍ عامة. حتى الشعارات باتت خارج نطاق قدرة نتنياهو في عام 2025.
وفي ظل هذا الواقع المتغير، يواجه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان تحديات مرتبطة بصورته.
و يتعرض لانتقادات متزايدة، رغم أنه لم ينخرط فعلياً في مسار تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
و تصريحات سابقة لا تزال تُستحضر وتُخضع للتدقيق، كما أن الأحداث الجارية في غزة، والتي يعتبرها كثيرون في العالم العربي إبادة جماعية، تزيد من حدة الضغط عليه.
لذا عليه أن يُظهر التزاماً واضحاً بالقضية العربية، لا مجرد تقارب اقتصادي مع واشنطن.
و توجيه الدعوة لعباس يخدم هدفاً آخر أيضاً، وهنا يكمن جوهر المسألة، و التي لم تعد تتعلق بإسرائيل.
فإسرائيل لم تعد متغيّراً محورياً في المعادلة.
و من في المنطقة سيأخذ إسرائيل في الحسبان، بينما يبدو أن الرئيس الأمريكي نفسه لا يُبدي اهتماماً، لا بتهديد الحوثيين، ولا باتفاق محتمل مع السعودية!
ففي الشرق الأوسط، يُرصد الضعف بسرعة.
مصر، على سبيل المثال، لا تتعجل في الموافقة على تعيين سفير إسرائيلي جديد، ولا هي بصدد إرسال سفير إلى تل أبيب، وليس ذلك محض صدفة.
و يتبع ترامب نهجاً براغماتياً قائماً على الصفقات، وقد لا يدرك حجم الضرر الاستراتيجي والمعنوي الذي تتعرض له إسرائيل نتيجة لذلك.
فإذا لم يعد التطبيع شرطاً للعلاقات الأمريكية-السعودية، فإن دور إسرائيل يتراجع بوضوح.
و الرياض باتت قادرة على إبرام صفقات تجارية -وربما نووية- من دون الحاجة إلى إدراج إسرائيل في المعادلة.
و تتراجع المكانة الدبلوماسية لإسرائيل تدريجياً، وقد وصلت إلى أدنى مستوياتها تاريخياً.
فلا يملك نتنياهو ما يُغري رئيساً أمريكياً يركّز على النتائج الملموسة.
أما ترامب، فيواصل الدفع بأولوياته إلى الأمام، وذلك هو ما يهم بالفعل.
سواء حضر عباس في الرياض أم لم يحضر، فالأمر لا يعني ترامب كثيراً.
ولا رأي نتنياهو يحظى بأي وزن يُذكر.
ترامب لم يُغيّر موقفه ولا أولوياته وأساليبه لا تزال ثابتة.
وإذا تفاجأ الإسرائيليون من ذلك، فهذه مشكلتهم، لا مشكلته.
و ترامب يتوقع من الشراكات أن تُنتج فوائد ملموسة.
هذا المنظور شكّل سياساته خلال ولايته الأولى، حين قاد جاريد كوشنر الجهود التي أفضت إلى اتفاقات أبراهام، وهو نجاح محسوب أقنع ترامب بجدواها.
أما اليوم، فلا تملك إسرائيل أي مبادرة جديدة لتقدّمها.
لقد تغيّر دورها، من لاعب محوري إلى مراقب بعيد.