اليمن: سميرة سيود..صوت نقل معاناة المهمشين للعالم!
يمن فيوتشر - خيوط: الأحد, 12 مارس, 2023 - 11:52 صباحاً
اليمن: سميرة سيود..صوت نقل معاناة المهمشين للعالم!

كانت الشهادة الأساسية هي المحطة الأخيرة لمشوارها التعليمي القصير، لكن الشابّة المعدمة التي اضطرت للالتحاق بالسلك العسكري، أصبحت الآن أحد المدافعين البارزين عن حقوق شريحة مستضعفة ولسانَ حالهم في المحافل الدولية، وتدعى سميرة سيود. 
وُلِدَت سيود في مدينة عدن مطلع العام 1965، لأسرة ريفية بسيطة تنحدر من محافظة لحج، والتحقت بالسلك العسكري مطلع الثمانينيات، حيث شغلت أعمالًا فنية في قسم التصوير، في سلاح الطيران.
بإيمان مطلق وقناعة راسخة، كانت سميرة سيود تحدّد خارطة طريقها، وهو تدشين المحطة الثانية في مشوار حياتها العملية، ومن بوابة العمل المدني التطوعي للدفاع عن حقوق المهمشات في مدن ومناطق الجنوب اليمني.
تقول سميرة سيود، في حديثها لـ"خيوط"، أنّها اختارت العمل في هذا المجال؛ لما لمسته من معاناة كبيرة كانت تعيشها نساء الفئة السمراء في أوساط المجتمع المحلي. 
ورغم كونها لا تنتمي مجتمعيًّا إلى هذه الفئة، فقد فضّلت العمل لصالحها، في محاولةٍ منها لتقديم ما يمكن تقديمه في سبيل أن تأخذ هذه الفئة المنسية أبسطَ حقوقها المسلوبة.
نظير نشاطها الدؤوب وعملها المدني الفاعل، كانت سميرة تسجل حضورًا لافتًا في أوساط الفئة المهمشة، وتحوز على ثقتهم، فكان لجهودها أن تلقى صدى وتأثيرًا ملموسًا؛ الأمر الذي مكّنها من حجز مكانها في رئاسة قطاع المرأة عند تأسيس الاتحاد الوطني للفئات الأشدّ ضعفًا في العام 2007. 
قبل دخولها هذا المجال الإنساني والحقوقي المنسي، كانت أصوات الفئة المهمشة منسية تمامًا، وخلف جدران العزلة المطبقة، كانت ترزح أصواتهم المكبوتة، ووحدها سميرة سيود من سمعت لأصواتهم بآذان صاغية وضمير إنسانيّ ممتلئ بالقيم النبيلة.
اتخذت سيود لنفسها مسكنًا في أوساط التجمعات السكانية للفئة المهمشة في مدينة عدن، ومن قلب مدينة عدن ومحاويها -(جمع محوى)؛ وهو المكان المعروف للتجمعات السكانية المكونة من بيوت الصفيح- بدا صوت سميرة يدوي في الأرجاء، ليكسر حاجز العزلة الأزلية، ويحلّق عاليًا ليصل صداه إلى أبعد مدى.
طيلة أكثر من عقد ونصف من العمل المدنيّ المثمر، استطاعت خلاله أن تترك بصمات مؤثرة في حياة نساء الفئة المهمشة، في مدينة عدن تحديدًا، ونظرًا لما تتمتّع به من شخصية قيادية مؤثرة وقدرة على إيصال أصوات نساء هذه الفئة بشكل فاعل؛ استطاعت سميرة سيود أن تحظى بحضور فاعل في أوساط المنظمات الدولية والمحلية المهتمة بشريحة المهمشين، وتصنف فئة المهمشين في صدارة الفئات الاجتماعية الأشدّ ضعفًا والأشد فقرًا في المجتمع اليمني المعقّد، الذي يتشكّل من العديد من الطوائف والأقليّات، وتبرز فيه النزعة العنصرية بشكل واضح وجلي منذ القدم تجاه كثير من الأقليات، ولعل في مقدمتها فئة المهمشين أو ما يطلق عليهم بالوصف الشعبي المتوارث "الأخدام".
في العام 2019، أسّست سيود جمعية أمان للفئات الأشدّ ضعفًا، ومن خلال هذه الجمعية، سجّلت حضورًا فاعلًا في العديد من المجالات الحيوية التي تخدم الفئة المهمشة في مدينة عدن، وكان لها مشاركات بارزة في القمم النسوية، وخلالها كانت هي الصوت المسموع والمعبر عن لسان حال نساء الفئة المهمشة، وحاجتهن الماسة إلى وجود التعليم والصحة والتوعية، وينتظرن من يأخذ بأيديهن ويعمل على إظهارهن للحياة المستحقة كحقٍّ إنسانيّ وأساسيّ. 
أفصحت سيود، في حديثها لـ"خيوط"، عن واقع حال الفئة السمراء اليوم، حيث لا تمتلك كثيرٌ من النساء شهادات ميلاد رسمية، ولا وثائق عقود زواج قانونية، وحيث التعليم قيمة مفقودة، حُرم منها أطفال وشباب هذه الفئة. 
تقول سيود: "بدأتُ أحارب وأعمل على إدخال منظمات إلى المنطقة، واستطعنا استخراج شهادات ميلاد وبطائق شخصية للنساء والشباب، إضافة إلى دورات توعوية كانت تدخل حياة النساء لأول مرة"، وتشير سميرة إلى وجود عددٍ كبير من الفتيات القاصرات اللواتي تزوجن في سنّ مبكرة وفشلت حياتهن الزوجية؛ نظرًا لعدم قدرتهن على استيعاب طبيعة الحياة الجديدة، حيث عملت على تمكينهن ودمجهن في دورات حرفية تمكنَّ من خلالها من اكتساب مهارات الكوافير، والخياطة، وصناعة البخور؛ الأمر الذي انعكس لاحقًا في تمكّنهن من فتح مشاريع صغيرة، استطعن من خلالها توفير مصادر دخول آمنة جنّبتهن مخاطر التسول.
الشباب العاطل، كطاقة مهدرة، كان يشكّل قنبلة موقوتة في أوساط المجتمع المهمش، وانعكس سلبًا في انتشار ظاهرة الجريمة وتمدّدها، خاصة بعد تسربهم من المدارس. استطاعت سيود أن تعمل على احتواء الطاقات الشبابية المهدرة، وتوجِّهها بالشكل الصحيح، فكان أن قامت بإدماجهم لاكتساب مهارات حرفية عبر دورات تخصصية في مجالات الكهرباء، والنجارة، والبناء، وصيانة التلفونات، كما قامت بدمج الفتيات الشابات في دورات فنية في مجالات الجرافيكس وهندسة التليفونات.
تشير سيود إلى عملها مع منظمة (سيفيك) كوسيطة لبناء السلام، حيث تعمل هذه المنظمة على حماية المدنيّين أثناء النزاع، بمن فيهم النساء المهمشات والنساء النازحات، وتنوّه إلى أنّ إشراك النساء المهمشات في دورات الخياطة والكوافير يعتبر سلامًا لهن، حيث كانت تتركز أغلب أنشطة النساء المهمشات في عملية التسول في الأسواق الشعبية، وفي العمل في البيوت، وأن إدماجهن في دورات تدريبية مثل هذه، من شأنه أن يحدث فرقًا إيجابيًّا في مسار حياتهن.
لم يقتصر الأمر عند هذه النقطة، بل تعمل سميرة سيود على مواصلة إسناد عددٍ من الفتيات اللواتي يرغبن في إكمال مشوارهن التعليمي العام والجامعي، وتشعر بالفخر وهي تتحدث عن تخرج عددٍ من الفتيات المهمشات من الجامعة، وبتخصصات مرموقة في الحقوق والهندسة والاقتصاد. 
وفي مؤتمر السلام المنعقد العام الماضي، كان لسميرة سيود مشاركة فاعلة كوسيطة سلام، وكان لها مساهمة فاعلة في تقرير الظل وتقرير سيداو.
هي اليوم تشعر بالرضا عمّا استطاعت تحقيقه للنساء في أوساط المجتمع المهمش، خلال السنوات الماضية. 


التعليقات