اقتصاد: تحقيق قناة السويس 7 مليارات دولار في 2025.. هدف يواجه رياحاً معاكسة
يمن فيوتشر - بلومبيرغ الشرق الجمعة, 01 أغسطس, 2025 - 02:58 مساءً
اقتصاد: تحقيق قناة السويس 7 مليارات دولار في 2025.. هدف يواجه رياحاً معاكسة

في وقتٍ تواجه فيه التجارة العالمية تحديات متصاعدة من تباطؤ الاقتصاد وتصاعد التوترات الجيوسياسية، تتزايد الضغوط على قناة السويس، أحد أهم الشرايين البحرية في العالم، لتكرار أدائها الاستثنائي في السنوات الماضية. وبينما كانت القناة تحقق إيرادات قياسية تجاوزت 9.4 مليار دولار في عام 2023، يبدو أن تحقيق إيرادات كبيرة من القناة هذا العام لمصر بات رهـاناً صعباً، وسط تراجع حركة الملاحة ولجوء سفن الشحن إلى طرق بديلة.
الفريق أسامة ربيع، رئيس هيئة قناة السويس، صرح أن مرور السفن في القناة تراجع بنسبة 50% وربما أكثر جراء هجمات البحر الأحمر، وأن عدد السفن العابرة يومياً  كان ما بين 75 إلى 80 قبل تفاقم الأزمة في نوفمبر 2023، ثم انخفض العدد لما يتراوح بين 30 إلى 35 سفينة. وذكر أن آثار الأزمة بدأت في الظهور في يناير 2024، بعد استهداف جماعة الحوثي للسفن التجارية العابرة في مضيق باب المندب والبحر الأحمر.
يأتي هذا بوقت تسعى فيه مصر لاستعادة عافية أحد أهم شرايين اقتصادها، لكن الأزمات العالمية قد تعيد رسم خريطة الملاحة البحرية.


تحديات أمام تعافي قناة السويس
مع دخول النصف الثاني من 2025، سيصعب على الأرجح تحقيق إيرادات تناهز 7 مليارات دولار هذا العام من قناة السويس وفق التوقعات المصرية الرسمية الأخيرة. وتشير أحدث المعطيات إلى مسار أكثر تعقيداً نحو التعافي الكامل، وسط ارتفاع كبير في تكاليف التأمين البحري وتجدد الهجمات الحوثية.
ربيع أضاف بمقابلة مع "الشرق" أن "الآمال كانت معقودة على أن تشهد حركة السفن عبر قناة السويس تحسناً بدءاً من شهر يونيو الماضي، بعد أن توقفت هجمات الحوثيين بالبحر الأحمر منذ ديسمبر 2024، لكن إغراق سفينتين في الأسبوعين الأخيرين، وتفاقم حرب غزة، فضلاً عن ارتفاع أسعار التأمين على الشحنات بنحو 4 أضعاف، جعلت السفن تحجم عن المرور بالقناة".
ويتوقع صندوق النقد الدولي بدء تعافي إيرادات قناة السويس -التي تُعد من أهم موارد العملة الصعبة لمصر- خلال العام المالي الحالي، مرجحاً ارتفاع الإيرادات تدريجياً لتبلغ 11.9 مليار دولار بحلول العالم المالي 2029-2030، مع انحسار التوترات في البحر الأحمر.
وأشار تقرير شركة "أليانز كوميرشال" حول الأمن والشحن لسنة 2025، أن البحر الأحمر بات أحد أكثر الممرات الملاحية خطراً، مشيراً إلى انخفاض حركة السفن بنسبة 50% منذ فبراير الماضي، مع توقع استمرار التأثيرات حتى نهاية العام. يعتبر التقرير أن قناة السويس حالياً "ممر غير مستغل بالكامل مؤقتاً"، بسبب مخاوف أمنية ما تزال قائمة.
فيما قال رؤول خانا، مدير المخاطر البحرية في "أليانز كوميرشال" إن تأثير المخاطر الجيوسياسية والنزاعات كأسباب محتملة لخسائر بحرية تتزايد مع ارتفاع التوترات الدولية. ويلفت التقرير إلى أن التهديد الأمني الذي تواجهه طرق الشحن الاستراتيجية، بما في ذلك البحر الأحمر، يُرجح أن يستمر حتى نهاية 2025.
رغم تحسن نسبي في عدد السفن المارة وارتفاع الإيرادات الشهرية، يبقى المشهد العام مرهوناً بعوامل خارجة عن إرادة مصر أبرزها نتائج مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة وسياسات التأمين وقرارات شركات الشحن العالمي.


تخفيض رسوم مرور السفن
قررت هيئة قناة السويس أيضاً مد العمل بالتخفيض البالغ 15% من رسوم عبور القناة والممنوح لسفن الحاويات ذات حمولة صافية 130 ألف طن أو أكثر "محملة أو فارغة"، حتى نهاية العام الحالي.
وفي منتصف شهر مايو الماضي، قال الفريق أسامة ربيع، إن الهيئة أصدرت حوافز وتخفيضات بنسبة 15% من رسوم عبور سفن الحاويات بداية من يوم الخميس 15 مايو 2025 ولمدة 90 يوماً.
تأثرت قناة السويس سلباً خلال النصف الأول من عام 2025 جراء الاضطرابات في البحر الأحمر، ما تسبب في تراجع إيراداتها الفصلية المهمة لمصر بنسبة 6% على أساس سنوي خلال الربع الأول، لتبلغ 904 ملايين دولار. الرقم يعكس انخفاضاً بنسبة 60% مقارنة بالفترة المماثلة من 2023. وبحسب وزارة المالية، خسرت القناة نحو 2.15 مليار دولار في أول 9 أشهر من السنة المالية الجارية.

 

إيرادات قناة السويس الفصلية تواصل التراجع مع استمرار اضطرابات البحر الأحمر
رغم ذلك، برزت مؤشرات على تحسن تدريجي، إذ شهدت القناة عبور 264 سفينة إضافية من فبراير حتى مارس، مقارنة بمسار رأس الرجاء الصالح، وارتفعت الإيرادات الشهرية بنسبة 29% في مارس لتسجل 335.6 مليون دولار. تسعى الهيئة لتحقيق 7 مليارات دولار إيرادات بنهاية 2025، مقابل 6.6 مليارات العام الماضي، والذي سجل تراجعاً سنوياً بنسبة 25%.


الحوثيون يعيدون البحر الأحمر للواجهة
رغم إعلان جماعة الحوثي عن هدنة في يناير 2025، عاد التصعيد مجدداً خلال الربع الثاني من العام، عبر هجمات استهدفت سفناً تجارية، كان أبرزها ناقلة الحبوب "إيترنتي سي" التابعة لبرنامج الأغذية العالمي، ما أدى إلى سقوط ضحايا وفقدان أفراد من الطاقم. تعرضت السفينة لهجوم مستمر دام أكثر من 14 ساعة، ما أعاد المخاوف إلى صدارة المشهد الملاحي.
ووفق مركز المعلومات البحرية المشترك، لم يُسجل أي تغيير كبير في أعداد السفن المارة بخليج عدن في الفترة التي شهدت هدوءاً نسبيا في فبراير الماضي، ما يشير إلى استمرار الحذر رغم غياب الهجمات المباشرة في هذه الفترة.
تزامن التصعيد مع ضربات إسرائيلية على موانئ يمنية حساسة رداً على هذه الهجمات، فيما أعلنت جماعة الحوثي استئناف عمليات استهداف السفن "الإسرائيلية أو المرتبطة بها" حتى رفع الحصار عن غزة، ما أدى إلى استمرار حالة الحذر في مجتمع الشحن البحري الدولي. 

 

شركات الشحن تتحمل تكاليف أكبر
ارتفعت تكلفة تأمين السفن التجارية بشكل كبير في البحر الأحمر بعد استئناف الهجمات الحوثية. ووفقاً لماركوس بيكر من شركة "مارش ماكلينان" (Marsh McLennan)، قفزت رسوم التأمين على مخاطر الحرب إلى نحو 1% من قيمة السفينة، مقارنة بمعدلات تراوحت بين 0.2% و0.3% خلال الأشهر الماضية، في ظل هدوء نسبي سابق للهجمات.
هذه القفزة الكبيرة في تكاليف التأمين تُثقل كاهل السفن التي ما تزال تمر عبر البحر الأحمر، فيما تتجه شركات أخرى إلى الالتفاف حول أفريقيا رغم ارتفاع التكلفة الزمنية والمسافة. وتشير تقديرات شركة "إكسكلوسف شيب بروكرز" (Xclusiv Shipbrokers) اليونانية إلى أن القفزة في معدلات التأمين تضاعفت تقريباً خلال أسبوع واحد.
اعتبرت شركة "ميرسك" أن الأوضاع الجيوسياسية ما تزال "غير مستقرة. وحذرت من أن اضطرابات البحر الأحمر قد تستمر طوال بقية العام الجاري. وتدرك هذه الشركات أن استئناف العبور عبر قناة السويس قد يؤدي إلى زيادة المعروض وبالتالي انخفاض أسعار الشحن، وهو ما يشكل تحدياً إضافياً لربحيتها. قدر محللو "بلومبرغ إنتليجنس" أن العودة إلى مسار البحر الأحمر قد تخفض الطلب على الشحن بنسبة تصل إلى 6% خلال العام الجاري.
في مايو الماضي، ترأس الفريق أسامة ربيع، رئيس هيئة قناة السويس، اجتماعاً موسعاً ضم ممثلين عن 25 من كبرى شركات الخطوط والتوكيلات الملاحية العالمية، بحضور رئيس غرفة ملاحة بورسعيد، وذلك لمناقشة تأثير التحسن النسبي في الأوضاع الأمنية بمنطقة البحر الأحمر وباب المندب على خطط الإبحار وجدولة السفن. وخلال الاجتماع، دعت الهيئة الشركات إلى دراسة العودة التدريجية لاستخدام الممر الملاحي للقناة.
من جانبهم، طرح ممثلو الشركات مجموعة من المقترحات لتحفيز هذه العودة، تضمنت تقديم حوافز مؤقتة وتخفيضات مدروسة على رسوم العبور، خصوصاً للسفن العملاقة وسفن الخطوط الطويلة. كما طالبوا بفتح قنوات تفاوض مع شركات التأمين بهدف خفض الأقساط المرتفعة المفروضة على السفن العابرة للمناطق عالية المخاطر في البحر الأحمر.


التعليقات